مدونة شباب عين الصفراء
تواصل » عين الصفراء » عين الصفراء من العصور القديمة الى الاحتلال الفرنسي
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
إن التواجد البشري بالعين الصفراء و ضواحيها قديم جدا. يعود, على أقل تقدير, إلى العصر الحجري الحديث (نيوليتيك) أين كانت تستعمل الأدوات من الحجارة. قدمت لنا براهين هذا العصر, خاصة, عن طريق النقوش الصخرية المتوفرة بكثرة في المنطقة. -- توجد أقرب نقوش ممثلة للفيلة بالمحيصرات, على بعد 7 كم من العين الصفراء -- . تمثل هذه النقوش عموما حيوانات ذلك العصر و بعض الأشخاص. أما عن معانيها فنظن, على حسب الحالات, أن هذه الرسومات المنقوشة على الصخور من المفترض أن يكون لها دورا سحريا أو فنيا أو دينيا – نذكر أنه في هذا العصر كانت ميول لعبادة الحيوانات مثل الكبش -. أما فيما يخص التأريخ, فيطرح مشكل كبير بسبب عدم العثور بمحاذاة هذه النقوش على بقايا بشرية. لا ندخل في التفصيلات لكن حسب توزيع للطبقات الزمنية
للنقوش و حسب مختلف التقنيات و النظريات للباحثين مثل حامي (1882), د. بوني (1888), فلاماند (1892) متبوعين في القرن العشرين ب: بروي, روبي, فوفري, بالاري, و لوت, مكنت من تحديد إنجاز هذه النقوش بين 000 10 و 500 2 سنة قبل الميلاد. يمكن لنا القول, اتفاقا مع لوت, أن العمر المتوسط للنقوش الصخرية للمنطقة يقدر ب 000 5 سنة قبل الميلاد.
تعتبر النقوش الصخرية شهادات ذات قيمة لا تقدر بثمن تركتها شعوب قديمة؛ تثبت نمط حياتهم و عاداتهم و عالم الحيوان الذي كان يحيط بهم. أنشأ أكبر قسم من هذه الأعمال قبل الحضارة السومرية و قبل أقدم الأهرامات المصرية. لم ينس ه. لوت أن يشير إلى أن الفن الصخري للجنوب الغربي " لا علاقة له بما قبل الحكم الملكي المصري" و أن " نقوش الجنوب الو هراني هي بالتأكيد من بين أقدم المظاهر الفنية و الطقوسية لإفريقيا". في مجال ما قبل التاريخ, يعتبر الأطلس الصحراوي, الذي يضم أكثر من 150 محطة, أحد أكبر المتاحف المفتوحة على الهواء في العالم. أما عن أصل و امتداد الفن الصخري, يرى ه.لوت أن المعطيات الحالية " تدفع للاعتقاد أن الفن الطبيعي الكبير الذي ثبت قدمه على الإطلاق, كان منشأه في الجنوب الوهراني أين تم نشره في الجنوب الجزائري (العاصمة) و في مرحلة لاحقة نحو الجنوب المغربي". يعتبر نفس المؤلف أن الجنوب الوهراني كان " المركز الرئيسي للفن الجداري للمناطق الصحراوية" و ذكر أن ف. أ.روبي استنتج أن الجنوب الوهراني و جبل العمور هما بالتأكيد مهد الفن الجداري في شمال إفريقيا.
1 إضافة إلى النقوش, ثبت التواجد البشري بمختلف الأدوات التي وجدت منها كميات وفيرة في محطات ورشات لوادي العين الصفراء و المنطقة المجاورة. قال س.قزال " عاش إذن العديد من السكان في الصحراء الحالية لفترة غير مؤكدة الحدود, لكنها طويلة جدا, من المحتمل أنها تنحدر إلى العصر التاريخي و تصعد دون شك إلى الأعلى". كتب د. لينيز عن منطقة العين الصفراء و هو باحث في ما قبل التاريخ و صاحب دراسة نشرت سنة 1904 حول المحطات: " إذا كانت (المنطقة) تبدو اليوم مقفرة, قاحلة...فلم يكن الحال في الأحقاب الماضية. فلقد كانت المياه تسيل في المجاري المجففة (اليوم) و كان غطاء نباتي زاخر ينمو في هذه السهول القاحلة. عاشت أقوام كثيرة في المكان الذي تمور (اليوم) فيه الرمال".
في القائمة التي تضم 236 محطة و التي وفرت عينات للمجموعة المقدمة من طرف ج. ب. فلاماند و أ. لاكيير خلال مؤتمر الجمعيات العلمية بالجزائر سنة 1905. تم إحصاء نصف هذه المحطات بالجنوب الغربي وحده. إضافة إلى الورشات العديدة المتواجدة بجوار غالب محطات الرسومات المذكورة آنفا, يمكن لنا إضافة: فرطاسة, أولقاق, تاشاطوفت, البريج, مكاليس, عين عيسى...في ناحية العين الصفراء. في هذه الأماكن عثر على العديد من بقايا مهارات الفنانين البدائيين: صوان منحوت, محكات, سكاكين, إبر, رؤوس سهام...إلخ...تجدر الإشارة كذلك أنه وجدت حقول معتبرة على سطح الأرض بمنطقة الهضاب العليا. تعطي مذكرة د.لينيز, الذي أقام بالعين الصفراء من 1896 إلى 1898 عينات مذهلة من آثار ما قبل التاريخ وجدت على امتداد الأودية و على الكثبان الرملية و كذا بجانبها بمحاذاة المدينة. علاوة على النقوش الصخرية و بقايا الأدوات التي تشكل أقدم علامات الوجود البشري في هذه المنطقة, نجد ما يقارب خمسة عشر محطة رسومات صخرية, ممثلة للبقريات, و العديد من محطات لنقوش عربات تبين أن الناحية كانت في ذلك العهد منطقة عبور ذات حركة مرور قوية بين الجنوب و الشمال و بين الشرق و الغرب, إضافة إلى محطات تتواجد بها كتابات أبجدية تدعى ليبية أو ليبية بربرية أو تيفيناغ.
يبدو أن أقدم المقابر تشكل ما يقارب العشرين نصبا دائريا تقع على بعد كيلومترات من العين الصفراء, نذكر منها على وجه الخصوص: عين عرقوب المغار, على سفح جبل مكثر و في عين بن سرارة التي اكتشفها النقيب دوسيني بين 1902 و 1907. واكتشفت كذلك بقايا عظام بشرية في هذه المعالم. غير أن المعلومات الأولى الأكثر صحة حول تعمير ناحية العين الصفراء بدأت في الواقع مع الجثوات (التومولوس).
التومولوس مقابر أناس سكنوا هذه النواحي في تلك الفترة المتأخرة. تسمى في العرف الشعبي ب " الكراكير", "الرجم" أو " قبور الجهالة". نشرت دراسات حول.
2 تومولوس ناحية العين الصفراء من طرف بوتي سنة 1905 و دوسيني سنة 1908. يصنفها دوسيني إلى ثلاثة أنواع حسب نوع البناء. يوجد النوع الأول على شعاع 35 كم من العين الصفراء, خاصة بثنية الغزالة و شقة المويلح, غارة الضبع و وادي الصفراء؛ النوع الثاني بجبل مكثر, فوناسة و المحيصرات و الثالث بعين بن دومة, عرقوب المغار و غارة الضبع.
يبين تواجد هذه المقابر التي تعد بالعشرات حسب دوسيني بين 1904 و 1907 أن عددا كبيرا من السكان عاشوا في ناحية العين الصفراء فجر التاريخ. وجدت في هذه التومولوس هياكل عظمية و منقولات جنائزية؛ و هذه المنقولات (أمتعة) التي كانت ترافق الموتى هي التي سمحت بتأريخ هذه المقابر, تمثلت أساسا في خواتم و أطواق من حديد ومن فضة و من نحاس. في سنة 1914, قبل الحرب العالمية الأولى, قدمت بعثة من الباحثين الألمان بقيادة الأستاذ فروبينيس لاستكشاف تومولوس جبال القصور. و قد كتب ل.غوتيي معلقا على نتائج البعثة التي نشرت سنة 1916 "هذه القبور التي لا تحصى تعود للفترة التاريخية أو الفترة ما بين التاريخ و قبله على الأكثر؛ و لا نعرف بعد منها أحدا يفترض أن يكون أكثر قدم من مسيبسا ". مسيبسا هذا هو ابن الملك النوميدي ماسينيسا و عم يوغورطا. حكم 30 سنة بين 148 إلى 118 قبل الميلاد.
و هكذا, يمكن لنا القول أن في القرن الثاني قبل الميلاد كانت ناحية العين الصفراء مأهولة بالعديد من السكان. كان هؤلاء الأهالي شبه مستقرين, يسكنون الأكواخ و أفنان الشجر و يربون الماشية خاصة منها الماعز و الأبقار.
لا يوجد وثائق قرطاجية مكتوبة, إلا أن المؤلفين الرومان في القرن الأول من بينهم ساليست و بلين كانوا يسمون أهالي هذه الناحية من الجنوب بالجيتول بينما كان يلقب أهالي الشمال بالنوميديين. أثناء الحروب التي خاضها القرطاجيون و الرومان, دعم جيتول الجنوب هاميلكار القرطاجي بمقاتلين سنة 238 قبل الميلاد في طريقه من تونس إلى إسبانيا و عززوا بعد ذلك, و إلى غاية 207 قبل الميلاد, ابنه حنبعل الذي توجه إلى إيطاليا. من الملفت للنظر أن من 146 قبل الميلاد, تاريخ تدمير قرطاجة, إلى غاية 40 بعد الميلاد لم يمارس الملوك النوميديين الذين حكموا الشمال أية سلطة على الجنوب. - بلاد الجيتول-. في سنة 40, قتل الملك النوميدي "بطلمي" و اجتاح الرومان شمال إفريقيا فانتفظ السكان. بعد معارك في الشمال, طارد الرومان جيتول الجنوب الذين ذهبوا لمساعدة النوميديين. لأول و آخر مرة, في أواخر سنة 40 / بداية 41 قدم الرومان بالناحية بقيادة الجنرال سويتونيس بولينيس و مروا بغرب جبال القصور حتى وصلوا إلى وادي "غير".
3 بالرجوع إلى المصادر الرومانية علمنا أن اسم النهر الكبير كان موجودا في القرن الأول « Et ultra ad fuvium qui ger vocaretur ». حسب بلين, الذي أورد أن جيتول ناحية الجنوب الغربي كانوا يسمون سنة 72 ب" فيزون" و كونوا فرعا من اتحاد الأتولول. و بفضل "بطليمي" علمنا أيضا أن السلسلة الجبلية المسماة حاليا جبال القصور كانت تدعى " مونس مالتيبالوس " Mons Malethubalus.
نلاحظ غيابا للمصادر اعتبارا من بطوليمي في القرن الثاني. فالجيتول لم يستعملوا سوى لغة غير مكتوبة. لم يبدي الرومان أي اهتمام لجنوب البلاد, فلقد عزلوه بحائــط أقيم جنوب سبدو و قرب سعيدة يدعى " ليماس" و كل البلاد التي كانت جنوبه كانت تدعى بلاد البربر. أما الوندال و البيزنطيون الذين كانوا يحتلون إفريقيا الشمالية بين القرن 5 و 7 لم يأتوا إلى هذه المنطقة التي كانت مستقلة تماما -- يمكن للمهتمين بهذه الفترة الإطلاع على اللمحة التاريخية للجنوب الغربي الجزائري ( الجزء 1 ) من الأصول إلى ظهور الإسلام--. لم يتم الحصول على معلومات أخرى إلا بعد الفتح الإسلامي أواخر القرن 7 (1 هـ) خاصة بفضل مؤلفين عرب مثل أبن الحاكم (ق 9), البكري (ق11), ابن الأثير (ق 12), ابن العذري (ق 13) و الأخوين ابن خلدون (ق 14 ).
دخل الإسلام ناحية الجنوب الغربي مع بداية القرن الثامن. استنادا إلى النويري و عبد الرحمان ابن خلدون تمت الأسلمة بين 708 و 720 (89 إلى 101 للهجرة) في عهد موسى بن نصير و بمساهمة من القائد المغربي طارق بن زياد الذي كان يعمل لحساب الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك. لم يبعث المسلمون جيوشا ناحية الجنوب الغربي, وإنما اكتفوا بتكليف مبعوثين لطلب الموالاة إلى رؤساء قبائل و قصور الجنوب فخضعوا لذلك و التزموا بترك الوثنية و تبني الدين الجديد الذي تم تعليمه لهم بواسطة " طلبة " من ناحية تلمسان, فبنوا لجل ذلك قاعات للصلاة. التزموا كذلك بدفع الزكاة و تجنيد المقاتلين لفتح إسبانيا. تجدر الإشارة أن في وقت الأسلمة لم تحدث أي هجرة للعرب إلى الجنوب. استمر السكان في تكوين النسق البربري المتجانس الذي لا يستعمل اللغة العربية إلا أثناء الصلوات و بصفة جزئية أثناء الدروس الدينية التي يلقيها "الطلبة". خلال النفوذ الإسلامي, كان بربر الجنوب الغربي و حضر القصور و البدو الرحل من زناتة من عرش " وسين". لم يخف بعض المؤلفين معرفتهم لأصل كلمة "وسين" الذي يعود إلى " فيسون " المستعمل من طرف الجيتول. يستنتج من ذلك, بما أن الجنوب الغربي لم تحدث به هجرات كبيرة خلال القرون السابقة لدخول الإسلام فإن الزناتة وسين يعود أصلهم إلى الجيتول الفيسين.
4 في نفس الفترة التاريخية, توسعت في المشرق عدة انفصالات دينية, قدم بعضها إلى المغرب للابتعاد خاصة عن الحكم الأموي و نشر أفكارهم. في سنة 740 (122ه ), و بقيادة ميسرة انتفض بربر المغرب و انضموا تحت لواء الخوارج. نذكر أن المذهب الخارجي ظهر أثناء معركة صفين سنة 657 عندما رفض فريق من المقاتلين في جيش الخليفة علي بن أبي طالب التفاوض مع معاوية فقاموا بالانفصال.
ظهر (إثر ذلك) ثلاث مملكات؛ الأولى في سجلماسة بتفيلالت جنوب المغرب؛ الثانية في تلمسان مع زناتة أبو قرة؛ و الثالثة في تيارت مع ابن رستم. لذلك انظم كل الجنوب الغربي, المتواجد في قلب مثلث الخوارج, إلى مذهبهم. تجدر الإشارة إلى أن رغم هذا الانضمام الديني بقي سكان الجنوب الغربي مستقلين عن حكم المملكات الثلاث.
ظهر في القرن العاشر حكم الفاطميين, وهم مناصرو عبيد الله الملقب بالإمام المهدي.-- خلافا للخوارج الذين ناهضوا حكم الخليفة علي, صمم الفاطميون على أن أي حكم إسلامي لا يتم إلا بممارسة من طرف أحد أحفاد علي (ر). خلال صيف 909 م (297 ه) استولى الفاطميون على المملكات الخارجية بتيارت و سجلماسة و جنوب المغرب. كان الفاطميون يمرون بالجنوب الغربي, الطريق الأقرب, للذهاب من تيارت إلى سجلماسة. لدينا رواية ابن العذري الذي يبين لنا رجوع الفاطميين و وصولهــــم إلى " ربا" في "القصر" أين دفن فيما بعد سيدي بوتخيل, الولي الصالح لمدينة العين الصفراء. -- فلما بلغوا مدينة ربا...إلخ..--. مر الفاطميون ذهابا و إيابا من الجنوب الغربي دون أن يكون لمرورهم أثر على تطبيق المذهب الخارجي في المنطقة.
تأسست في منتصف القرن الثاني عشر الحركة الموحدية على يد ابن تومرت. إثر ذلك, استولى الموحدون, شيئا فشيئا, على كل المغرب بقيادة عبد المؤمن, بربري من ندرومة, في هذه الفترة انضوى الجنوب الغربي تحت الحكم الموحدي. كان ارتقاء الحكم الموحدي حدثا مهما: فلأول مرة في تاريخهم, حكم البربر بأنفسهم و لحسابهم كل المغرب؛ و لأول مرة, خضع الجنوب الغربي لنفس السلطة المركزية مثل الشمال بعدما كان مستقلا منذ عهد الجيتول؛ و كذلك شاع تطبيق المذهب السني, المفروض من طرف الموحدين, لأول مرة لدى غالبية المغاربة المكونة من بربر زناتة وسين.
5 كان انشغال الموحدين بإخضاع المغرب و إسبانيا حائلا لممارسة الحكم بصفة مباشرة على الجنوب الغربي. لذلك فوضوا سلطتهم إلى أحد القبائل البربرية التي سبق توظيفها في عملياتهم العسكرية؛ إنها قبيلة عبد الواد. تعتبر هذه القبيلة من زناتة وسين -- لها إذن نفس الأصل مثل سكان الجنوب الغربي -- و قد أجليت من الشرق عند أولى دفعات بني هلال. كان نفوذها قويا بحكم خدمتها للموحدين؛ لذلك نالت حق الإقطاع على ناحية جبال القصور. أي أن بنو عبد الواد كانوا يحكمون الجنوب الغربي لحساب الموحدين: نظمت دورات لمراقبة الأمن و اقتطاع الضرائب الشرعية التي كانت في غالب الأحيان عينية (ماشية, سمن, حبوب, أفرشة...) خاصة الخراج منها الذي كان مفروضا على القبائل الخاضعة للحكم. بعد جباية كل ذلك, كان بنو عبد الواد يحددون النصيب الذي يدفع للخزينة العامة و الذي يعود لحاكم الموحدين بتلمسان.
لم يمض قرن من الزمن حتى بدأت تظهر المشاكل للدولة الموحدية التي اتسعت رقعتها. في القرن 13, تنكر يغمراسن – زناتي من قبيلة عبد الواد – الذي كان حاكما على تلمسان للحكم الموحدي و أسس الدولة الزيانية. بسبب ذلك, كل الجنوب الغربي الذي كان إقطاعا لزناتة عبد الواد أصبح جزءا من المملكة الزيانية.
في نفس الفترة التاريخية, انتصرت قبيلة زناتة بني مرين على جيوش الموحدين و أسست الدولة المرينية في المغرب. بعدما ازدادت الصراعات بين الزيانيين و المرينيين اتخذ يغمراسن قرارا مهما باستقدامه قبيلة بني عامر من ناحية بســــكرة, و هي فرع من عرب زغبة بني هلال. أوكلت لها مهام التجنيد لخدمة جيش يغمراسن في حربه ضد المرينيين و لحماية الدولة الزيانية الممتد إلى غاية تافيلالت جنوب المغرب. في مقابل ذلك تنازل الملك الزياني عن حق الإقطاع لبني عامر بالجنوب الغربي الجزائري, أين استقرت فيه أعداد كبيرة منهم. أصبح إذن عرب بني عامر سادة هذه المنطقة التي يشغلونها بحكم أنهم ممثلين للسلطة الزيانية. لعب بنو عامر نفس الدور الذي قام به بنو عبد الواد للموحدين في القرن السابق. لذلك, و مع نهاية القرن 13, أصبحوا ملاك لجزء كبير من المنابع المائية و آبار و أراضي الجنوب الغربي, من بينها أراضي العين الصفراء و ضواحيها. – فقد اسم العين الصفراء بالأمازيغية – بالعكس بقيت تسمية "تيت" لتيوت و "تقلقولت" سفيسيفة و "عزيمن" من عسلة-. يعتبر بنو عامر- بحكم أنهم المكونون للنواة الأولى في المنطقة -- أول من سمى المنبع المائي الصادر من الكثيب الرملي بالعين الصفراء--.
6 منذ إذ, ابتدأ تعريب الجنوب الغربي؛ و هو حدث جد هام و ذو تبعات كبيرة لا يتسع مقام هذا العمل المتواضع لشرحه. علينا فقط أن نعلم أن عرب بني عامر دفعوا تدريجيا بدو زناتة من البادية إلى القصور؛ لذلك نجد حاليا: العرب يشغلون البادية و البربر يشغلون القصور.
ابتداء من القرن الخامس عشر, و في رد فعلها على الخطر الإسباني البرتغالي الذي كان يهدد السواحل الإفريقية, تحولت الطرق الصوفية المقيمة في المغرب إلى حركة شعبية واسعة, عرفت بالحركة المرابطية -- مصدر الكلمة: رباط --. إضافة إلى القيم الدينية التي كان يتبناها المرابطون, كانوا يحضون على الجهاد ضد الغزاة راغبين, عند اقتضاء الحال, في حكم بديل قادر على تدارك نقائص الحاكمين.
هيمنت على الحقل الديني الجديد طريقتان كبيرتان: القادرية و الشاذلية. تعود الطريقة القادرية إلى سيدي عبد القادر الجيلاني, عاش بين القرن 11 و 12 م في العراق؛ و هو الرجل الصالح الأكثر شعبية في العالم الإسلامي الذي شيدت له أكثر القباب التذكارية. زيادة على التعليم النوعي الذي كان يلقيه في الزاوية, بقي سيدي عبد القادر المعروف بعظم تواضعه دائم الفقر موجها كل ما تصدق به الزوار إلى المعوزين. أما الطريقة الشاذلية فتعود تسميتها إلى أبي الحسن الشاذلي, من المغرب عاش في القرن 13 م. كان رجلا متصوفا و مثقفا عاش خاصة في تونس و مصر. عرف بمواعظه الداعية للعزلة و الصلاة.
في بداية القرن السادس عشر, قدم الشيخ سيدي أحمد بن يوسف ممثل الطريقة الشاذلية إلى الجنوب الغربي و لقي سيدي سليمان بن بوسماحة من القبيلة البوبكرية التي يعود نسبها إلى أبي بكر الصديق (ر) و التي عاشت بين ربا و الشلالة, فلقنه ثم عينه مقدما على الشاذلية. بعد سنوات, نحو 1515 م, استقر بربا "طالب" من ناحية زمورة (بلدة بين تيارت و غيليزان) ليؤسس فيها الزاوية القادرية. يقع قصر ربا, الذي أصبح فيما بعد عربوات, جنوب البيض, على بعد 20 كم من الأبيض سيدي الشيخ. إنه قصر قديم, كانت له أهمية كبيرة في زمن الخوارج في القرن 7 و 8 م. مر به الفاطميون في القرن 10 م. استقر به كذلك الجد الأول للبوبكرية, سيدي معمر أبو العالية في القرن 14 م لإقناع البربر للتحول من المذهب الخارجي إلى المذهب السني. كان الطالب القادم من ناحية زمورة "شريفا", يعود نسبه إلى الرسول صلى الله عليه و سلم عن طريق سيدي عبد القادر الجيلاني.
7 بالرجوع إلى المصادر المحلية و مختلف روايات كتاب النسب للعشماوي, يتضح من خلال المرحلة الحالية لدراساتنا, أن سلسلة النسب الأكثر قبولا هي: محمد بن الحسين بن شعيب بن علي بن عبد القادر بن محمد بن أحمد بن لقمان بن عبد الرزاق بن سيدي عبد القادر الجيلاني, هذا عن القسم الأول من السلسلة. أما عن القسم الثاني, و بما أن المصادر المحلية و روايات كتاب النسب قد شابها كثير من التحريف, نفضل الاستناد على وثيقة من الزاوية القادرية المركزية ببغداد: سيدي عبد القادر الجيلاني بن أبي صالح موسى الجنقي دوست بن عبد الله بن يحي الزاهد بن محمد بن داوود بن موسى بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه و سلم. لا يمكننا الدخول في التفاصيل, لكن الدراسة الجارية حول "شرفة" الجنوب الغربي ستحاول قدر المستطاع تحديد الأخطاء في الأسماء أو النقائص المحتملة مثل قلب أو إلحاق أو نسيان حلقات من سلسلة النسب.
لا ندري في الواقع الإطار الذي قدم فيه محمد بن الحسين بن شعيب إلى الجنوب الغربي. في القرن 16 م, كانت الحركة المرابطية جد نشيطة و قد سخرت كلتا الطريقتين جهودا كبيرة للإقامة في أي موضع يسمح بذلك. " يشير حمزة أبو بكر – من مواليد الناحية - أن (الحركة المرابطية) أنشأت (بذلك) روح المنافسة بين ممثلي مختلف فروع القادرية و الشاذلية". يمكن الاعتقاد أن محمد بن الحسين بن شعيب أرسل من طرف أهم مركز لقادرية تيارت / زمورة من أجل إنشاء مؤسسة في الجنوب الغربي أين بدأ اتساع نفوذ الشاذلية بفضل نشاط سيدي سليمان بن بوسماحة و سيدي الحاج بن عامر – تلامذة سيدي أحمد بن يوسف -. يمكن الاعتقاد أيضا أن سكان ربا هم الذين نسقوا لدعوة محمد بن الحسين بن شعيب للاستقرار بينهم قصد فتح الزاوية القادرية.
كان غالبية سكان ربا من البربر. قبل قرنين من الزمن, تمكن سيدي معمر أبو العالية من إقناع طائفة منهم على ترك المذهب الخارجي و التمسك بالمذهب السني. عاش خلفه, عيسى و بلحيا و بو ليلى و دفنوا في ربا. لكن, يظهر أن سكان القصر احتفظوا دوما بفارق في العلاقات بينهم و بين البوبكرية. في القرن 16 م, نشبت نزاعات مع سيدي سليمان الذي اختار الاستقرار في الشلالة و في بني ونيف. كان البوبكرية كذلك في صراع مع بني عامر الذين كانوا يمارسون حق الإقطاع في الجنوب الغربي باسم ملك تلمسان الذين كانوا يمثلونه. في سياق هذه الظروف, قدم فيها "الطالب" الشاب إلى الجنوب. كان مدرسو العلوم الدينية الذين كانوا يحتكرون المعرفة وسط الغالبية من غير المتعلمين رجالا يدين لهم الناس بالاحترام الكبير. أتى محمد بن الحسين بن شعيب, "شريف" و من أحفاد سيدي عبد القادر الجيلاني و ممثل للطريقة القادرية و مؤهل – حسب الروايات الشفوية - من قبل مدارس تيارت / زمورة و من زاوية سيدي الهواري بوهران, إلى الجنوب حوالي سنة 1515. 8 بسبب افتقار في المصادر و مقارنة بالمعلومات المتعددة المصادر و المتعلقة بالتأريخ للبوبكرية تم تحديد تاريخ ميلاد محمد بن الحسين بن شعيب نحو 1480 و وفاته بتاريخ 1565. ضمن طائفة تتحدث باللغة العربية, يوصف الأجنبي عنها الذي يمتلك شهرة (بالميلاد أو ذيوع صيت لأجداده) أو يتميز ب (معارف دينية أو خوارق أو أحداث عسكرية...) و يريد أن يندمج فيها بالدخيل: القادم الحديث, الداخل قي القبيلة أو في القصر أو في المنطقة. توجد عدة أمثلة على ذلك في التاريخ: يلقب عبد الرحمان بن معاوية الفار من العباسيين و القادم لإسبانيا قصد تأسيس حكمه سنة 755 م (137 هـ) بالداخل, يلقب كذلك جد المغاربة العلويين بحسن بن قاسم الداخل و في عهد حديث, نجد في نصوص "فيقيق", ألقاب الدخيل. أتى محمد بن شعيب بعائلته إلى ربا, لم تتحدث أية رواية شفوية عن زواج أو رابطة زوجية لمحمد الدخيل من أهالي ربا و لا من خلف مريديه. من جهة أخرى و بناء على مصاعب الترتيب الزمني, يبدو جليا أن بعض أولاده و ابنته ولدوا قبل مجيئه إلى الجنوب. حسب الروايات المتناقلة في ربا, كانت أم الدخيل, "خضرة" تعيش كذلك معه, و نجد قبرها بجوار قبة ابنها في ربا.
بغض النظر عن المشاكل التي كانت قائمة بين بني عامر و سكان ربا و البوبكرية مع حلفائهم, كان محمد الدخيل يمارس نشاطه حتى يكسب مودة كل مكونات المجتمع الذي يعيش فيه امتثالا لمبدأ التسامح الذي أوصى به سيدي عبد القادر الجيلاني. كان محترما و محترما لممثلي الطريقة الشاذلية و خاصة منهم سيدي سليمان بن "بوسماحة", لذلك في حوالي سنة 1525م نجد الدخيل يقبل زواج ئبنته كلثومة من آحمد ابن سيدي سليمان الذي أصبح يزمى فيما بعد سيدي أحمد المجذوب.
أخذت المؤسسة التي كان يشرف عليها الدخيل تدريجيا أهمية و تمكن من الحصول على معاونين في التعليم. استلهم طريقته في التدريس و علاقته بين الناس من تعاليم القادرية المعتمدة على التواضع و التسامح و الإحسان و الفقر: مثلما ما كان يقوم به سيدي عبد القادر الجيلاني شخصيا, كانت الزاوية مكلفة بصرف الصدقات و التبرعات الخاصة بسير المؤسسة في استقبال الطلبة و المحتاجين و عابري السبيل. كان العديد من هذه الصدقات يدفع سنويا من طرف سكان ربا و من القبائل المجاورة. استنادا إلى الإحصائيات الفرنسية للقرن 19 م, كان مقدار ما يدفع لهذه الزاوية من كل خيمة: "خروف" و مكيال من التمر و شعير و سمن (دهان) وعن كل فرقة جمل. من بين الواهبين, يمكن ذكر, "الدراقة الغرابة, الدراقة الشراقة, أولاد معلا, قسم من عــكرمة, أولاد زياد, قبيلة أولاد مومن من الأغواط كسال و قسم من القراريج, أهالي بريزينة, قسم من أهالي الشلالة الظهرانية, قبائل حميان, مقن و آخرين"...
9 عرفت الزاوية القادرية بربا, المنتعشة بنشاط الشريف الدخيل, أو سيدي الدخيل – مثل ما سمي – أهمية كبرى و ذاع صيتها خاصة بعد وفاة مقدم الشاذلية الجليل سيدي سليمان بن " بو سماحة" سنة 1539 م (945 هـ). في هذا العهد, فقد البوبكرية نفوذهم لأنه لم يتم ضمان الاستخلاف بصفة لائقة. بدل أن يقوم محمد بن سليمان باستخلاف أبيه على زاوية بني ونيف, اختار العيش في بادية الشلالة و كان عمر ابنه – سيدي الشيخ مستقبلا – لم يتعد ست سنوات. أما أحمد بن سليمان, الشهير بسيدي أحمد المجذوب اختار هو الآخر الممارسات التصوفية و الاعتزال.
بلغت زاوية سيدي الدخيل أوج ازدهارها في الأربعينيات من القرن 16 م. و لقد تكلم خاصة عن هذه الفترة ل.رين." أما عن انتساب العدد الكبير من أولاد سيدي الشيخ (البوبكرية) للقادرية فتفسر ب...بالتواجد القديم في "الأبيض" لأحد خلف سيدي عبد القادر الجيلاني, سيدي بوتخيل, الذي كان يمثل, قبل سيدي الشيخ, النفوذ الديني الغالب في كل ناحية غرب البيض".
فعلا, مثلما ذكر ل. رين, أن سيدي الدخيل كان له بئر في هذا المكان البعيد 20 كم عن ربا, والذي قد اشتراه أو اكتسب حقه بلا شك من بني عامر. تشهد روايات شعبية و غالبية المصادر الكتابية عن هذا الحق. كان مكانا محمودا لدى البدو الرحل الذين كانوا يجلبون مواشيهم للرعي.
يصفه أ.هـ.نويل بقوله:" كان (البئر) وفيرا و محيطه "نديا" يغلب عليه النبات الوفير بسبب قرب مائه من سطح الأرض...مكان يمتلكه شريف...يسمى سيدي بوتخيل". كان الموضع معروفا و معتاد المرور به, و ظل من أهم أماكن تجمع قطيع البربر الرحل ثم بني عامر بداية من القرن 13 م. بسبب "بلل" المكان سمي "غدير البقر". يخبرنا ي. ابن خلدون أن الملك الزياني أبو حمو موسى الثاني توقف بالبئر سنة 1370, عندما طرده المرينيون من تلمسان. أصبح غدير البقر خلال القرن 16 م "حاسي الأبيض" و كان سيدي بوتخيل يأتي إليه باستمرار, إما لإعطاء دروس للرحل القادمين, أو لأجل الابتعاد عن ربا و التعبد و الاختلاء.
بتزويج ابنته كلثومة لسيدي أحمد المجذوب البوبكري, كان قد وعد بالتنازل عن حقه في الحاسي الأبيض لابنته. إن الحياة بالهضاب العليا صعبة و جد مرتبطة بامتلاك موارد الماء, لأن تنمية الأنعام مشروطة بتوفر الماء. في حياة سيدي بوتخيل, طالب أبناؤه, باعتبارهم مربو ماشية مثل غالبية السكان, بحقهم في الحاسي الأبيض و تعارضوا مع البوبكرية الذين يعتبرون هذا المورد المائي المهم قسما من مهر كلثومة.
10
بعد وفاة سيدي سليمان (1539م /945 هـ) بدأت المشاكل الأولى بين أولاد سيدي الدخيل و حلفائهم من بني عامر و آخرون و كذا أنسابهم, من جهة و البوبكرية, أساسا إبراهيم و عبد الرحمان, أبناء سيدي محمد بن سليمان و حلفائهم, من جهة أخرى. من المهم الإشارة أن سيدي أحمد المجذوب, زوج كلثومة -- من المفروض المعني الأول بالأمر -- والذي كان يعيش متنسكا في ضواحي الشلالة / عسلة لم يكن طرفا في القضية (النزاع). باعتباره رجل دين, كان سيدي الدخيل بعيدا كل البعد عن مسائل الماء و القطيع. غير أن تدخله كان مرجوا طيلة حياته بحكم أنه الملجأ الوحيد و قد استطاع التهدئة من روع أبناءه وخصومهم. توفي محمد بن حسين بن شعيب الدخيل في الربا حوالي سنة 1565 تاركا وراءه زاوية مزدهرة تضم, فضلا على المئات من التلاميذ, عددا من مريدي الطريقة القادرية الذين عاشوا مع شيخهم و والوه بإخلاص إلى أبعد حد.
دخل الصراع مرحلة جديدة: فلقد طالب أولاد سيدي الدخيل و البوبكرية جهرة بامتلاك حاسي الأبيض --الذي سيصبح بعد 30 سنة, الأبيض سيدي الشيخ --.
نشبت مشادات الكلامية بين الخصوم بمناسبة اللقاءات العديدة حول البئر (المتنازع عليه). احتدم الصراع بعد وفاة قياديي البوبكرية, المعول عليهم في إنقاذ الموقف: سيدي محمد بن سليمان المتوفى سنة 1569 و سيدي أحمد المجذوب المتوفى سنة 1571.
بعد المصادمات و المعارك المتكررة, دخل أولاد سيدي الدخيل و البوبكرية في حرب مفتوحة. تتكلم المصادر المتوفرة عن حرب دامت 14 سنة. تمكن البوبكرية, المستقرون في الجنوب طيلة قرنين من الزمن و المتفوقون في العدد, من إلحاق الهزيمة و طرد أولاد سيدي الدخيل و حلفائهم إلى بنود, الواحة التي تبعد 80 كلم جنوب حاسي الأبيض. ولمنعهم من البقاء في المنطقة و تهديد البئر -- موضوع النزاع -- تم طردهم إلى الربا تاركين الزاوية القادرية بين أيدي الموردين ثم ترحيلهم في الأخير من "البنود". في حوالي سنة 1580 (987 هـ ) بعد انهزامهم نهائيا ، تراجع أولاد سيدي الدخيل و حلفائهم و عائلاتهم نحو الشمال الغربي بعيدا عن المناطق التي يتردد البوبكرية عليها و تم استقبالهم من طرف بني عامر الذين كانوا يقطنون في منطقة العين الصفراء.
كيف كانت حالة قصر العين الصفراء في نهاية القرن السادس عشر ؟ نعلم أن الجنوب الغربي كان تحت سلطة بني عامر -- العرب الهلاليون الذين كانوا سابقا يمثلون السلطة المركزية --, غير أنهم أصبحوا مجرد ملاك منذ سقوط تلمسان بيد الأتراك في سنة 1550. قام بنو عامر -- باعتبارهم رحلا-- بحملة واسعة النطاق لتعريب البادية بصد البربر الرحل نحو القصور.
11 نلاحظ في كل قصور الجنوب الغربي, باستثناء قصر العين الصفراء, استعمال الأمازيغية -- الشلحة أو الزناتية -- إلا أن استعمال الأمازيغية في قصر يعتبر عاملا جديا لقدم الجماعة و خاصة انتظام تطورها يعتبر أكثر أهمية من دراسة أطلال المساكن, التي تتشابه كثيرا و لم يعد مجديا البحث عن تأريخها, على حد قول س.قزال, ب.بالاري و ج. كامبس. من ناحية, نعلم أنه في فجر التاريخ, كان الجيتول بكثرة في العين الصفراء و تبعتهم ذريتهم من بربر زناتة وسين. و من ناحية أخرى, لم نجد أثرا لهذه النواة البربرية.كذلك, لا نعلم بدقة ماذا حدث في القرون الماضية قبل قدوم أولاد سيدي الدخيل نحو سنة 1580. نستطيع فقط وضع فرضيات لتفسير الانقطاع, أو بالأحرى التعديل الذي طرأ على تطور القصر: 1. إما أن القصر -- أو بتحديد أكثر "القرية", بما أن الاسم العربي "قصر" لم يكن مستعملا-- كان مهجورا عند قدوم عرب بني عامر في القرن الثالث عشر. 2. إما أن يكون بني عامر قد سبق لهم السيطرة على هذا القصر بطردهم السكان البربر ثم تنازلوا عنه للمهاجرين الجدد. 3. و إما أن تكون تلك النواة البربرية القليلة قد تعربت و ذابت في المجموعة المهاجرة. / تبدو الفرضية الأولى أقل احتمالا. لأنه من الصعب التسليم, بدون سبب محدد, هجران "قرية" ذي موقع مهم و أكثر غنى (ملتقى واديين, بركة و مياه وفيرة, غطاء نباتي وفير... ) خاصة, و بالتواتر المبني على تأريخ بناء أو ترميم مسجل على حائط لمسجد, يكون القصر موجود على اقل تقدير منذ 06 قرون تقريبا و الذي يقودنا إلى القرن الرابع عشر أو الخامس عشر مما يعني أنه بقدوم بني عامر كان القصر موجودا و مسكونا. / الفرضية الثانية بعيدة الاحتمال: تظهر دراسة سيرة بني عامر في عصر مزاولتهم لحقهم في الإقطاع على الجنوب الغربي ما بين القرن الثالث عشر و السادس عشر, أنهم, كقاعدة عامة, كانوا يوظفون كل الإمكانيات بالاستحواذ على البادية (مراعي و منابع الماء ) لكن كانوا يحترمون القصور. تشير عدة أمثلة إلى أنهم كانوا يفضلون متابعة طريقة عيشهم المألوفة سالفا بالعيش في الخيام و لم يكونوا يبدون أي اهتمام للحياة الحضرية في قصر ضئيل الأفق و مختلط. أوردت بعض المصادر, في موضع آخر, حديثا عن صفقة تخص الأرض و ليس القصر: عند مجيء أولاد سيدي الدخيل إلى العين الصفراء اشتروا من بني عامر شريطا من الأراضي يمتد لمسافة 12 كم على طول الوادي, بين "وادي البريج" أو "السخونة" إلى "الصليح" أو "الرصاف" مقابل ألف رأس من الغنم. / أما الفرضية الثالثة, التي تتطلب إثباتا عن طريق بحوث متطورة, و المتعلقة باندماج -- أو الأحرى بذوبان-- النواة البربرية في مجموعة المهاجرين, تبدو لنا جد معقولة. عموما, لا تنقص الأمثلة لتفســـير هيمنة النواة الســـــكانية القويــــــــــة على
12 الضعيفة: الشرفة و بعض العرب المهاجرين إلى سفيسيفة و إلى الشلالة إلى مغرار "الفوقاني و التحتاني" و في عسلة أو هجرة الأحلاف إلى تيوت أين "تبربروا" عند اندماجهم بالمجموعات البربرية الكبرى. و بالعكس, بسبب المجاورة الكبيرة لبني عامر في ضواحي العين الصفراء, من المحتمل أن يكون قد تقلص العنصر البربري لهذا القصر بسبب الهجرات نحو القصور. حيث أنه, بقدوم أولاد الدخيل -- الذين كونوا مجموعة مهمة مع حلفائهم و أنسابهم إذا اعتبرنا أنهم باستطاعتهم مقاومة البوبكرية لعدة سنوات-- الذين بدأوا مبكرا في بناء أو شراء المساكن تعرب البرابرة الأقلية بعيشهم وسط العرب الأكثر عددا. يتكون فوج المهاجرين من عائلات أولاد سيدي الدخيل, أنسابهم, حلفائهم, "شرفة" بعض الأصول و العرب. حسب مصدر, كان لسيدي بوتخيل أربعة أولاد و بنت تدعى كلثومة -- التي تزوجت سيد أحمد بن سليمان المجذوب وقبرها موجود بالعين الصفراء--يسمى الأولاد الأربعة ب: أحمد, الحسين أو محمد الحسين, بوشنافة أو محمد بوشنافة و بودخيل. --يتكلم مصدر آخر عن ست أولاد لكن يظهر أنهم أحفاد و ليسوا أبناء للدخيل؛ على أية حال, يمكن لبحوث جد معمقة أن تقدم توضيحات لسلالة سيدي الدخيل-- في ما يخص تسمية بودخيل للابن الرابع, ينبغي إيجاد الاسم الحقيقي, يبدو أنه فقط اسم كناية: ابن الدخيل يليه "بالدخيل" الذي تحول فيما بعد "بودخيل". إن هذا التفصيل المتعلق بكناية, سيدي بوتخيل, و الذي يخص الجد الأول – محمد بن حسين بن شعيب الدخيل, يثير الانتباه. نعلم, عن طريق وثيقة - لا يمكن تفنيدها – (ترجمت إلى الفرنسية في القرن 19 م) أن هذه الشخصية كانت تحمل فعلا الاسم المستعار سيدي الدخيل: كتب حاج مغربي يسمى مولاي أحمد – أنه خلال رحلة عام 1709 توقفت قافلته في مكان يدعى "حجاج" (منبع مائي على بعد 20 كم من العين الصفراء يعتبر محطة في رحلة الحجاج) أين قدم لهم " أولاد سيدي الدخيل, الذين كانوا يسكنون بالعين الصفراء" المؤونة(سمن, عنب, شعير, دقيق و سبعة خراف). هذا فيما يخص الصيغة اللغوية الفصحى للمصطلح. أما فيما يخص الصيغة الشعبية: حرفت صيغة أولاد سيدي الدخيل بالتدرج. بعد وفاة الجد بربا و خلال سنوات الصراع, بدأت تظهر الصيغة العامة المستعملة في مصادر النسب لعرب أولاد الدخيل أو بني الدخيل, مع حذف لفظ "سيدي" الذي يشير على أن الشخص من أصل شريفي أو رجل دين (كبير). صيغة أخرى للمفرد لم تلبث أن بدأت تستعمل: مثلما يشار لحفيد أبي بكر الصديق (ر) ب"البوبكري", و لحفيد سيدي الشيخ ب:البوشيخي", تعارف الناس على تسمية "بودخيلي" لحفيد سيدي الدخيل –نجد لفظ الفقيه البودخيلي في نص لأبي المحلي كتبه في بداية القرن 16 م (أورده المؤلف المغربي أ.مزيان)--.
13 لذلك, تعاقبت عدة تغيرات و تركيبات للهجات الشعبية أدت إلى الانتقال التدريجي من التسمية الأصلية أولاد سيدي الدخيل إلى التسمية المتداولة حاليا أولاد سيدي بوتخيل (أولاد الدخيل أو بني الدخيل ثم أولاد بالدخيل أولاد بودخيل, مسبوق بالنعت "الشريفي" (للجد) ليعطي أولاد سيدي بودخيل و يخلص في الأخير لصيغة أولاد سيدي بوتخيل. حينئذ عند وصول أولاد سيدي بوتخيل إلى العين الصفراء, كانت ناحية الجنوب الغربي مستقلة عن الحكم المركزي. خلف العثمانيون الزيانيين في تلمسان سنة 1550 غير أن الجنوب كان لا يزال يسيرعلى نظام الجماعة. تطور القصر شيئا فشيئا و بقي يحمل اسم العين الصفراء. -- يظهر في بعض الوثائق الفرنسية تسمية القصر بعين صافية, استنادا إلى معلومة شفوية غير مؤسسة بما أن مولى أحمد أوضح سنة 1709 بأنه كان يحمل اسم العين الصفراء --. من أجل حماية أنفسهم بدأ السكان في بناء جدار حول القصر محاط بخندق و معزز بأبراج مراقبة. بالإضافة إلى تربية المواشي, كان السكان يهتمون بالزراعة على ضفاف الوادي و في الأراضي المجاورة للقصر. و بمرور السنين, تطورت "القرية" و أصبح القصر المأهول بأولاد سيدي بوتخيل يحظى بسمعة "قصر شريفي". بمعنى أرض "حرام". تأسست فيه الزاوية القادرية, التي كان لها ختم, و"كان لها التأثير على كل قصور الغرب" حسب مصدر مكتوب في القرن 19 م . شيد به كذلك ضريحان, الأول تخليدا لسيدي عبد القادر الجيلالي و الآخر لسيدي بوتخيل. قدمت أعداد كبيرة من الناس من نواحي مختلفة و تمركزت به طلبا (" لحماية الولي الصالح للقصر"). تشير مختلف المصادر أن سكان القصر كانوا مكونين من عدة مشارب, غير أنهم يعتبرون أنفسهم من سلالة سيدي بوتخيل. بالإضافة إلى أولاد سيدي الدخيل, يوجد من بينهم: أنسابهم -- لكونهم تزوجوا من نساء من المنطقة --. و كذا المتحالفين الذين آزروهم في صراعهم ضد البوبكرية, أغلبهم عرب من قبائل رحل من أغواط كسال و نواحي ربا, الغاسول و بريزينة. بالإضافة إلى هذه المجموعة الأولى من الوافدين و النواة البربرية الأصلية المتواجدة في عين المكان, سجل القصر قدوم الكثير من العائلات و الأفراد من عدة مناطق, "شرفة" من فروع مختلفة, عرب رحل من منطقة البيض أو من جبال العمور بالإضافة إلى بعض البوبكرية المنشقين, عرب بني سنوس من نواحي تلمسان, عرب من ناحية عين بن خليل – فرع حميان -, عرب من جنوب بشار – من بينهم معقل ذوي منيع و أولاد جرير الهلاليين- عناصر من الصحراء و من جنوب الغرب و آخرين غير معروفين. خلص تدريجيا هذا التوافد المختلف, الذي لم يتم حصر قائمته لحد الآن, على تكوين بحسب أهمية العائلات و توازن القوى إلى ثلاث مجموعات, مختلفة التسميات غير أنها تنتمي إلى سيدي بوتخيل, حيث كانت تسكن (" تحت رعاية سيدي بوتخيل") في القرن 19 م في مساكن متميزة بالقصر: أولاد داودي, أولاد عطى, أولاد يوسف...
14 لكونه قصر "شرفة" مزود بزاوية, كان يلجأ إليه المبعدين و ذوو الحاجة من الناس للحصول على "حماية سيدي بوتخيل" طبعا بشرط رد المظالم – محل النزاع – و دفع مستحقات الدية. بالإضافة إلى ذلك, و باعتبارهم سكانا لأرض "شريفية" لبلد مسلم, لم يكن سكان القصر خاضعين لدفع الضريبة لأية سلطة كانت -- الأمر الذي حال دون مجيء السرية التركية, التي قصفت قصر الشلالة الظهرانية سنة 1786 (70 كم عن العين الصفراء) بسبب رفض دفع الأتاوى, إلى قصر سيدي بوتخيل و لم يتجرأ باقي الأتراك دخوله رغم مجيئهم إلى عين بن خليل و إلى القعلول بين القرن 18 والقرن 19 م--. فسمعة الأمن التي اكتسبها قصر العين الصفراء مكنته من استقبال رحل المنطقة من العمور و حميان الذين لجأوا إلى القصر لتخزين حبوبهم. بعد إنزال الفرنسيين سنة 1830 انتظمت المقاومة تحت قيادة الأمير عبد القادر. نشير هنا إلى أن هذا الأخير مر بالمنطقة عدة مرات ما بين 1842 و 1847. لقد كان هو الآخر عضوا في الطريقة القادرية و كان أبوه محي الدين " مقدما" لها بنواحي معسكر. اظهر الأمير عبد القادر احتراما كبيرا لقصر العين الصفراء لكون سكانه ينحدرون من سلالة سيدي عبد القادر الجيلاني, و لم يفرض عليهم أتاوى كما فرضها على القصور و القبائل الأخرى. في أفريل من سنة 1847, و تحت إمرة الجنرال "كفينياك" و صل الفرنسيون إلى الجنوب الغربي. و بعد أن مروا بالقصور الأخرى, وصلوا في 5 ماي 1847 إلى مشارف العين الصفراء. وصف "شامبيري" و هو عنصر من سرية كفينياك مشهد الدخول بقوله: " قبيل وصولنا إلى قصر العين الصفراء لاحظنا على اليمين حوالي 1000 "شخص" على مرتفع صخري موازي لسفح جبل عيسى. و أمام السرية, على السهل الغربي لهذا المرتفع خيالة من 400 على 500 فارس يظهرون في شكل أفواج من 100 إلى 150 فارس. على اليسار, و في الكثبان الرملية خلف القصر, يظهر كذلك سكان العين الصفراء مسلحين" يضيف المؤلف " كان من السهل إدراك تأثير عبد القادر بداية 1847 (في هذه المنطقة)". يروي كذلك الدكتور "جاكو", الذي كان هو الآخر مرافقا للرتل الفرنسي " عند وصولنا إلى "الصفراء" و جدنا العدو جاهزا للانقضاض...كانت الخيالة تستعرض قوتها على السهل؛ يمكن لنا اكتشاف فرق تسد الأفق" . بدأت المعركة و دامت يوما واحدا حتى الخامسة مساء. كانت بالطبع لصالح السرية الفرنسية المتكون من 2800 رجل معهم 000 140 ذخيرة (خرطوشة) و مدافع و 400 قذيفة احتياطية. بعد المعركة, تلقى الجنود الرخصة من الجنرال كفينياك ل" سرقة المدينة و إتلاف الغلة" استولى الفرنسيون على القصر و طلبوا (من السكان) دفع الضرائب مثلما كانت تؤدى إلى الأمير عبد القادر و إلى الأتراك.
15 كان رد أولاد سيدي بوتخيل أنهم بصفتهم "شرفة" يعتبرون معفيون من دفع الضريبة و أنهم لم يسبق لهم أن دفعوا هذه الضرائب من قبل।رغم ذلك, نهب الغزاة المؤونة و انصرفوا بعدما عينوا قائدا "قايد". بعد 1847, مر الفرنسيون لعدة مرات من الناحية. و في سنة 1881, اندلعت ثورة الشيخ"بوعمامة" و شارك فيها أغلبية السكان, حضرا و رحلا. فقررت فرنسا الاستقرار نهائيا بالعين الصفراء. و في أكتوبر من سنة 1881, دخلت العين الصفراء سرية فرنسية بقيادة الجنرال "لويز" و بدأ في بناء ثكنة عسكرية قرب القصر. في هذه الفترة, كان قد غادر ثلثي السكان العين الصفراء: على حسب تقديرات الفرنسيين, كان يضم القصر 200 إلى 260 مسكنا ل 800 إلى غاية 1000 ساكن في سنة 1847؛ لم يبق منها سوى 64 منزل لحوالي 300 ساكن في سنة 1881. بعد ترقيتها إلى مقاطعة عسكرية سنة 1894, أخذت العين الصفراء أهمية كبرى في أعين الفرنسيين الذين جعلوا منها قاعدة لغزو الصحراء و المغرب. أصبحت العين الصفراء مقر الإقليم العسكري بتعيين ابرز قادة الضباط الفرنسيين الجنرال "ليوتي" بمقتضى المرسوم المؤرخ في 12 ديسمبر 1905, و اتسع نطاق هذا الإقليم حتى أصبح يغطي ما يعادل 6/5 مساحة التراب الفرنسي
للنقوش و حسب مختلف التقنيات و النظريات للباحثين مثل حامي (1882), د. بوني (1888), فلاماند (1892) متبوعين في القرن العشرين ب: بروي, روبي, فوفري, بالاري, و لوت, مكنت من تحديد إنجاز هذه النقوش بين 000 10 و 500 2 سنة قبل الميلاد. يمكن لنا القول, اتفاقا مع لوت, أن العمر المتوسط للنقوش الصخرية للمنطقة يقدر ب 000 5 سنة قبل الميلاد.
تعتبر النقوش الصخرية شهادات ذات قيمة لا تقدر بثمن تركتها شعوب قديمة؛ تثبت نمط حياتهم و عاداتهم و عالم الحيوان الذي كان يحيط بهم. أنشأ أكبر قسم من هذه الأعمال قبل الحضارة السومرية و قبل أقدم الأهرامات المصرية. لم ينس ه. لوت أن يشير إلى أن الفن الصخري للجنوب الغربي " لا علاقة له بما قبل الحكم الملكي المصري" و أن " نقوش الجنوب الو هراني هي بالتأكيد من بين أقدم المظاهر الفنية و الطقوسية لإفريقيا". في مجال ما قبل التاريخ, يعتبر الأطلس الصحراوي, الذي يضم أكثر من 150 محطة, أحد أكبر المتاحف المفتوحة على الهواء في العالم. أما عن أصل و امتداد الفن الصخري, يرى ه.لوت أن المعطيات الحالية " تدفع للاعتقاد أن الفن الطبيعي الكبير الذي ثبت قدمه على الإطلاق, كان منشأه في الجنوب الوهراني أين تم نشره في الجنوب الجزائري (العاصمة) و في مرحلة لاحقة نحو الجنوب المغربي". يعتبر نفس المؤلف أن الجنوب الوهراني كان " المركز الرئيسي للفن الجداري للمناطق الصحراوية" و ذكر أن ف. أ.روبي استنتج أن الجنوب الوهراني و جبل العمور هما بالتأكيد مهد الفن الجداري في شمال إفريقيا.
1 إضافة إلى النقوش, ثبت التواجد البشري بمختلف الأدوات التي وجدت منها كميات وفيرة في محطات ورشات لوادي العين الصفراء و المنطقة المجاورة. قال س.قزال " عاش إذن العديد من السكان في الصحراء الحالية لفترة غير مؤكدة الحدود, لكنها طويلة جدا, من المحتمل أنها تنحدر إلى العصر التاريخي و تصعد دون شك إلى الأعلى". كتب د. لينيز عن منطقة العين الصفراء و هو باحث في ما قبل التاريخ و صاحب دراسة نشرت سنة 1904 حول المحطات: " إذا كانت (المنطقة) تبدو اليوم مقفرة, قاحلة...فلم يكن الحال في الأحقاب الماضية. فلقد كانت المياه تسيل في المجاري المجففة (اليوم) و كان غطاء نباتي زاخر ينمو في هذه السهول القاحلة. عاشت أقوام كثيرة في المكان الذي تمور (اليوم) فيه الرمال".
في القائمة التي تضم 236 محطة و التي وفرت عينات للمجموعة المقدمة من طرف ج. ب. فلاماند و أ. لاكيير خلال مؤتمر الجمعيات العلمية بالجزائر سنة 1905. تم إحصاء نصف هذه المحطات بالجنوب الغربي وحده. إضافة إلى الورشات العديدة المتواجدة بجوار غالب محطات الرسومات المذكورة آنفا, يمكن لنا إضافة: فرطاسة, أولقاق, تاشاطوفت, البريج, مكاليس, عين عيسى...في ناحية العين الصفراء. في هذه الأماكن عثر على العديد من بقايا مهارات الفنانين البدائيين: صوان منحوت, محكات, سكاكين, إبر, رؤوس سهام...إلخ...تجدر الإشارة كذلك أنه وجدت حقول معتبرة على سطح الأرض بمنطقة الهضاب العليا. تعطي مذكرة د.لينيز, الذي أقام بالعين الصفراء من 1896 إلى 1898 عينات مذهلة من آثار ما قبل التاريخ وجدت على امتداد الأودية و على الكثبان الرملية و كذا بجانبها بمحاذاة المدينة. علاوة على النقوش الصخرية و بقايا الأدوات التي تشكل أقدم علامات الوجود البشري في هذه المنطقة, نجد ما يقارب خمسة عشر محطة رسومات صخرية, ممثلة للبقريات, و العديد من محطات لنقوش عربات تبين أن الناحية كانت في ذلك العهد منطقة عبور ذات حركة مرور قوية بين الجنوب و الشمال و بين الشرق و الغرب, إضافة إلى محطات تتواجد بها كتابات أبجدية تدعى ليبية أو ليبية بربرية أو تيفيناغ.
يبدو أن أقدم المقابر تشكل ما يقارب العشرين نصبا دائريا تقع على بعد كيلومترات من العين الصفراء, نذكر منها على وجه الخصوص: عين عرقوب المغار, على سفح جبل مكثر و في عين بن سرارة التي اكتشفها النقيب دوسيني بين 1902 و 1907. واكتشفت كذلك بقايا عظام بشرية في هذه المعالم. غير أن المعلومات الأولى الأكثر صحة حول تعمير ناحية العين الصفراء بدأت في الواقع مع الجثوات (التومولوس).
التومولوس مقابر أناس سكنوا هذه النواحي في تلك الفترة المتأخرة. تسمى في العرف الشعبي ب " الكراكير", "الرجم" أو " قبور الجهالة". نشرت دراسات حول.
2 تومولوس ناحية العين الصفراء من طرف بوتي سنة 1905 و دوسيني سنة 1908. يصنفها دوسيني إلى ثلاثة أنواع حسب نوع البناء. يوجد النوع الأول على شعاع 35 كم من العين الصفراء, خاصة بثنية الغزالة و شقة المويلح, غارة الضبع و وادي الصفراء؛ النوع الثاني بجبل مكثر, فوناسة و المحيصرات و الثالث بعين بن دومة, عرقوب المغار و غارة الضبع.
يبين تواجد هذه المقابر التي تعد بالعشرات حسب دوسيني بين 1904 و 1907 أن عددا كبيرا من السكان عاشوا في ناحية العين الصفراء فجر التاريخ. وجدت في هذه التومولوس هياكل عظمية و منقولات جنائزية؛ و هذه المنقولات (أمتعة) التي كانت ترافق الموتى هي التي سمحت بتأريخ هذه المقابر, تمثلت أساسا في خواتم و أطواق من حديد ومن فضة و من نحاس. في سنة 1914, قبل الحرب العالمية الأولى, قدمت بعثة من الباحثين الألمان بقيادة الأستاذ فروبينيس لاستكشاف تومولوس جبال القصور. و قد كتب ل.غوتيي معلقا على نتائج البعثة التي نشرت سنة 1916 "هذه القبور التي لا تحصى تعود للفترة التاريخية أو الفترة ما بين التاريخ و قبله على الأكثر؛ و لا نعرف بعد منها أحدا يفترض أن يكون أكثر قدم من مسيبسا ". مسيبسا هذا هو ابن الملك النوميدي ماسينيسا و عم يوغورطا. حكم 30 سنة بين 148 إلى 118 قبل الميلاد.
و هكذا, يمكن لنا القول أن في القرن الثاني قبل الميلاد كانت ناحية العين الصفراء مأهولة بالعديد من السكان. كان هؤلاء الأهالي شبه مستقرين, يسكنون الأكواخ و أفنان الشجر و يربون الماشية خاصة منها الماعز و الأبقار.
لا يوجد وثائق قرطاجية مكتوبة, إلا أن المؤلفين الرومان في القرن الأول من بينهم ساليست و بلين كانوا يسمون أهالي هذه الناحية من الجنوب بالجيتول بينما كان يلقب أهالي الشمال بالنوميديين. أثناء الحروب التي خاضها القرطاجيون و الرومان, دعم جيتول الجنوب هاميلكار القرطاجي بمقاتلين سنة 238 قبل الميلاد في طريقه من تونس إلى إسبانيا و عززوا بعد ذلك, و إلى غاية 207 قبل الميلاد, ابنه حنبعل الذي توجه إلى إيطاليا. من الملفت للنظر أن من 146 قبل الميلاد, تاريخ تدمير قرطاجة, إلى غاية 40 بعد الميلاد لم يمارس الملوك النوميديين الذين حكموا الشمال أية سلطة على الجنوب. - بلاد الجيتول-. في سنة 40, قتل الملك النوميدي "بطلمي" و اجتاح الرومان شمال إفريقيا فانتفظ السكان. بعد معارك في الشمال, طارد الرومان جيتول الجنوب الذين ذهبوا لمساعدة النوميديين. لأول و آخر مرة, في أواخر سنة 40 / بداية 41 قدم الرومان بالناحية بقيادة الجنرال سويتونيس بولينيس و مروا بغرب جبال القصور حتى وصلوا إلى وادي "غير".
3 بالرجوع إلى المصادر الرومانية علمنا أن اسم النهر الكبير كان موجودا في القرن الأول « Et ultra ad fuvium qui ger vocaretur ». حسب بلين, الذي أورد أن جيتول ناحية الجنوب الغربي كانوا يسمون سنة 72 ب" فيزون" و كونوا فرعا من اتحاد الأتولول. و بفضل "بطليمي" علمنا أيضا أن السلسلة الجبلية المسماة حاليا جبال القصور كانت تدعى " مونس مالتيبالوس " Mons Malethubalus.
نلاحظ غيابا للمصادر اعتبارا من بطوليمي في القرن الثاني. فالجيتول لم يستعملوا سوى لغة غير مكتوبة. لم يبدي الرومان أي اهتمام لجنوب البلاد, فلقد عزلوه بحائــط أقيم جنوب سبدو و قرب سعيدة يدعى " ليماس" و كل البلاد التي كانت جنوبه كانت تدعى بلاد البربر. أما الوندال و البيزنطيون الذين كانوا يحتلون إفريقيا الشمالية بين القرن 5 و 7 لم يأتوا إلى هذه المنطقة التي كانت مستقلة تماما -- يمكن للمهتمين بهذه الفترة الإطلاع على اللمحة التاريخية للجنوب الغربي الجزائري ( الجزء 1 ) من الأصول إلى ظهور الإسلام--. لم يتم الحصول على معلومات أخرى إلا بعد الفتح الإسلامي أواخر القرن 7 (1 هـ) خاصة بفضل مؤلفين عرب مثل أبن الحاكم (ق 9), البكري (ق11), ابن الأثير (ق 12), ابن العذري (ق 13) و الأخوين ابن خلدون (ق 14 ).
دخل الإسلام ناحية الجنوب الغربي مع بداية القرن الثامن. استنادا إلى النويري و عبد الرحمان ابن خلدون تمت الأسلمة بين 708 و 720 (89 إلى 101 للهجرة) في عهد موسى بن نصير و بمساهمة من القائد المغربي طارق بن زياد الذي كان يعمل لحساب الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك. لم يبعث المسلمون جيوشا ناحية الجنوب الغربي, وإنما اكتفوا بتكليف مبعوثين لطلب الموالاة إلى رؤساء قبائل و قصور الجنوب فخضعوا لذلك و التزموا بترك الوثنية و تبني الدين الجديد الذي تم تعليمه لهم بواسطة " طلبة " من ناحية تلمسان, فبنوا لجل ذلك قاعات للصلاة. التزموا كذلك بدفع الزكاة و تجنيد المقاتلين لفتح إسبانيا. تجدر الإشارة أن في وقت الأسلمة لم تحدث أي هجرة للعرب إلى الجنوب. استمر السكان في تكوين النسق البربري المتجانس الذي لا يستعمل اللغة العربية إلا أثناء الصلوات و بصفة جزئية أثناء الدروس الدينية التي يلقيها "الطلبة". خلال النفوذ الإسلامي, كان بربر الجنوب الغربي و حضر القصور و البدو الرحل من زناتة من عرش " وسين". لم يخف بعض المؤلفين معرفتهم لأصل كلمة "وسين" الذي يعود إلى " فيسون " المستعمل من طرف الجيتول. يستنتج من ذلك, بما أن الجنوب الغربي لم تحدث به هجرات كبيرة خلال القرون السابقة لدخول الإسلام فإن الزناتة وسين يعود أصلهم إلى الجيتول الفيسين.
4 في نفس الفترة التاريخية, توسعت في المشرق عدة انفصالات دينية, قدم بعضها إلى المغرب للابتعاد خاصة عن الحكم الأموي و نشر أفكارهم. في سنة 740 (122ه ), و بقيادة ميسرة انتفض بربر المغرب و انضموا تحت لواء الخوارج. نذكر أن المذهب الخارجي ظهر أثناء معركة صفين سنة 657 عندما رفض فريق من المقاتلين في جيش الخليفة علي بن أبي طالب التفاوض مع معاوية فقاموا بالانفصال.
ظهر (إثر ذلك) ثلاث مملكات؛ الأولى في سجلماسة بتفيلالت جنوب المغرب؛ الثانية في تلمسان مع زناتة أبو قرة؛ و الثالثة في تيارت مع ابن رستم. لذلك انظم كل الجنوب الغربي, المتواجد في قلب مثلث الخوارج, إلى مذهبهم. تجدر الإشارة إلى أن رغم هذا الانضمام الديني بقي سكان الجنوب الغربي مستقلين عن حكم المملكات الثلاث.
ظهر في القرن العاشر حكم الفاطميين, وهم مناصرو عبيد الله الملقب بالإمام المهدي.-- خلافا للخوارج الذين ناهضوا حكم الخليفة علي, صمم الفاطميون على أن أي حكم إسلامي لا يتم إلا بممارسة من طرف أحد أحفاد علي (ر). خلال صيف 909 م (297 ه) استولى الفاطميون على المملكات الخارجية بتيارت و سجلماسة و جنوب المغرب. كان الفاطميون يمرون بالجنوب الغربي, الطريق الأقرب, للذهاب من تيارت إلى سجلماسة. لدينا رواية ابن العذري الذي يبين لنا رجوع الفاطميين و وصولهــــم إلى " ربا" في "القصر" أين دفن فيما بعد سيدي بوتخيل, الولي الصالح لمدينة العين الصفراء. -- فلما بلغوا مدينة ربا...إلخ..--. مر الفاطميون ذهابا و إيابا من الجنوب الغربي دون أن يكون لمرورهم أثر على تطبيق المذهب الخارجي في المنطقة.
تأسست في منتصف القرن الثاني عشر الحركة الموحدية على يد ابن تومرت. إثر ذلك, استولى الموحدون, شيئا فشيئا, على كل المغرب بقيادة عبد المؤمن, بربري من ندرومة, في هذه الفترة انضوى الجنوب الغربي تحت الحكم الموحدي. كان ارتقاء الحكم الموحدي حدثا مهما: فلأول مرة في تاريخهم, حكم البربر بأنفسهم و لحسابهم كل المغرب؛ و لأول مرة, خضع الجنوب الغربي لنفس السلطة المركزية مثل الشمال بعدما كان مستقلا منذ عهد الجيتول؛ و كذلك شاع تطبيق المذهب السني, المفروض من طرف الموحدين, لأول مرة لدى غالبية المغاربة المكونة من بربر زناتة وسين.
5 كان انشغال الموحدين بإخضاع المغرب و إسبانيا حائلا لممارسة الحكم بصفة مباشرة على الجنوب الغربي. لذلك فوضوا سلطتهم إلى أحد القبائل البربرية التي سبق توظيفها في عملياتهم العسكرية؛ إنها قبيلة عبد الواد. تعتبر هذه القبيلة من زناتة وسين -- لها إذن نفس الأصل مثل سكان الجنوب الغربي -- و قد أجليت من الشرق عند أولى دفعات بني هلال. كان نفوذها قويا بحكم خدمتها للموحدين؛ لذلك نالت حق الإقطاع على ناحية جبال القصور. أي أن بنو عبد الواد كانوا يحكمون الجنوب الغربي لحساب الموحدين: نظمت دورات لمراقبة الأمن و اقتطاع الضرائب الشرعية التي كانت في غالب الأحيان عينية (ماشية, سمن, حبوب, أفرشة...) خاصة الخراج منها الذي كان مفروضا على القبائل الخاضعة للحكم. بعد جباية كل ذلك, كان بنو عبد الواد يحددون النصيب الذي يدفع للخزينة العامة و الذي يعود لحاكم الموحدين بتلمسان.
لم يمض قرن من الزمن حتى بدأت تظهر المشاكل للدولة الموحدية التي اتسعت رقعتها. في القرن 13, تنكر يغمراسن – زناتي من قبيلة عبد الواد – الذي كان حاكما على تلمسان للحكم الموحدي و أسس الدولة الزيانية. بسبب ذلك, كل الجنوب الغربي الذي كان إقطاعا لزناتة عبد الواد أصبح جزءا من المملكة الزيانية.
في نفس الفترة التاريخية, انتصرت قبيلة زناتة بني مرين على جيوش الموحدين و أسست الدولة المرينية في المغرب. بعدما ازدادت الصراعات بين الزيانيين و المرينيين اتخذ يغمراسن قرارا مهما باستقدامه قبيلة بني عامر من ناحية بســــكرة, و هي فرع من عرب زغبة بني هلال. أوكلت لها مهام التجنيد لخدمة جيش يغمراسن في حربه ضد المرينيين و لحماية الدولة الزيانية الممتد إلى غاية تافيلالت جنوب المغرب. في مقابل ذلك تنازل الملك الزياني عن حق الإقطاع لبني عامر بالجنوب الغربي الجزائري, أين استقرت فيه أعداد كبيرة منهم. أصبح إذن عرب بني عامر سادة هذه المنطقة التي يشغلونها بحكم أنهم ممثلين للسلطة الزيانية. لعب بنو عامر نفس الدور الذي قام به بنو عبد الواد للموحدين في القرن السابق. لذلك, و مع نهاية القرن 13, أصبحوا ملاك لجزء كبير من المنابع المائية و آبار و أراضي الجنوب الغربي, من بينها أراضي العين الصفراء و ضواحيها. – فقد اسم العين الصفراء بالأمازيغية – بالعكس بقيت تسمية "تيت" لتيوت و "تقلقولت" سفيسيفة و "عزيمن" من عسلة-. يعتبر بنو عامر- بحكم أنهم المكونون للنواة الأولى في المنطقة -- أول من سمى المنبع المائي الصادر من الكثيب الرملي بالعين الصفراء--.
6 منذ إذ, ابتدأ تعريب الجنوب الغربي؛ و هو حدث جد هام و ذو تبعات كبيرة لا يتسع مقام هذا العمل المتواضع لشرحه. علينا فقط أن نعلم أن عرب بني عامر دفعوا تدريجيا بدو زناتة من البادية إلى القصور؛ لذلك نجد حاليا: العرب يشغلون البادية و البربر يشغلون القصور.
ابتداء من القرن الخامس عشر, و في رد فعلها على الخطر الإسباني البرتغالي الذي كان يهدد السواحل الإفريقية, تحولت الطرق الصوفية المقيمة في المغرب إلى حركة شعبية واسعة, عرفت بالحركة المرابطية -- مصدر الكلمة: رباط --. إضافة إلى القيم الدينية التي كان يتبناها المرابطون, كانوا يحضون على الجهاد ضد الغزاة راغبين, عند اقتضاء الحال, في حكم بديل قادر على تدارك نقائص الحاكمين.
هيمنت على الحقل الديني الجديد طريقتان كبيرتان: القادرية و الشاذلية. تعود الطريقة القادرية إلى سيدي عبد القادر الجيلاني, عاش بين القرن 11 و 12 م في العراق؛ و هو الرجل الصالح الأكثر شعبية في العالم الإسلامي الذي شيدت له أكثر القباب التذكارية. زيادة على التعليم النوعي الذي كان يلقيه في الزاوية, بقي سيدي عبد القادر المعروف بعظم تواضعه دائم الفقر موجها كل ما تصدق به الزوار إلى المعوزين. أما الطريقة الشاذلية فتعود تسميتها إلى أبي الحسن الشاذلي, من المغرب عاش في القرن 13 م. كان رجلا متصوفا و مثقفا عاش خاصة في تونس و مصر. عرف بمواعظه الداعية للعزلة و الصلاة.
في بداية القرن السادس عشر, قدم الشيخ سيدي أحمد بن يوسف ممثل الطريقة الشاذلية إلى الجنوب الغربي و لقي سيدي سليمان بن بوسماحة من القبيلة البوبكرية التي يعود نسبها إلى أبي بكر الصديق (ر) و التي عاشت بين ربا و الشلالة, فلقنه ثم عينه مقدما على الشاذلية. بعد سنوات, نحو 1515 م, استقر بربا "طالب" من ناحية زمورة (بلدة بين تيارت و غيليزان) ليؤسس فيها الزاوية القادرية. يقع قصر ربا, الذي أصبح فيما بعد عربوات, جنوب البيض, على بعد 20 كم من الأبيض سيدي الشيخ. إنه قصر قديم, كانت له أهمية كبيرة في زمن الخوارج في القرن 7 و 8 م. مر به الفاطميون في القرن 10 م. استقر به كذلك الجد الأول للبوبكرية, سيدي معمر أبو العالية في القرن 14 م لإقناع البربر للتحول من المذهب الخارجي إلى المذهب السني. كان الطالب القادم من ناحية زمورة "شريفا", يعود نسبه إلى الرسول صلى الله عليه و سلم عن طريق سيدي عبد القادر الجيلاني.
7 بالرجوع إلى المصادر المحلية و مختلف روايات كتاب النسب للعشماوي, يتضح من خلال المرحلة الحالية لدراساتنا, أن سلسلة النسب الأكثر قبولا هي: محمد بن الحسين بن شعيب بن علي بن عبد القادر بن محمد بن أحمد بن لقمان بن عبد الرزاق بن سيدي عبد القادر الجيلاني, هذا عن القسم الأول من السلسلة. أما عن القسم الثاني, و بما أن المصادر المحلية و روايات كتاب النسب قد شابها كثير من التحريف, نفضل الاستناد على وثيقة من الزاوية القادرية المركزية ببغداد: سيدي عبد القادر الجيلاني بن أبي صالح موسى الجنقي دوست بن عبد الله بن يحي الزاهد بن محمد بن داوود بن موسى بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه و سلم. لا يمكننا الدخول في التفاصيل, لكن الدراسة الجارية حول "شرفة" الجنوب الغربي ستحاول قدر المستطاع تحديد الأخطاء في الأسماء أو النقائص المحتملة مثل قلب أو إلحاق أو نسيان حلقات من سلسلة النسب.
لا ندري في الواقع الإطار الذي قدم فيه محمد بن الحسين بن شعيب إلى الجنوب الغربي. في القرن 16 م, كانت الحركة المرابطية جد نشيطة و قد سخرت كلتا الطريقتين جهودا كبيرة للإقامة في أي موضع يسمح بذلك. " يشير حمزة أبو بكر – من مواليد الناحية - أن (الحركة المرابطية) أنشأت (بذلك) روح المنافسة بين ممثلي مختلف فروع القادرية و الشاذلية". يمكن الاعتقاد أن محمد بن الحسين بن شعيب أرسل من طرف أهم مركز لقادرية تيارت / زمورة من أجل إنشاء مؤسسة في الجنوب الغربي أين بدأ اتساع نفوذ الشاذلية بفضل نشاط سيدي سليمان بن بوسماحة و سيدي الحاج بن عامر – تلامذة سيدي أحمد بن يوسف -. يمكن الاعتقاد أيضا أن سكان ربا هم الذين نسقوا لدعوة محمد بن الحسين بن شعيب للاستقرار بينهم قصد فتح الزاوية القادرية.
كان غالبية سكان ربا من البربر. قبل قرنين من الزمن, تمكن سيدي معمر أبو العالية من إقناع طائفة منهم على ترك المذهب الخارجي و التمسك بالمذهب السني. عاش خلفه, عيسى و بلحيا و بو ليلى و دفنوا في ربا. لكن, يظهر أن سكان القصر احتفظوا دوما بفارق في العلاقات بينهم و بين البوبكرية. في القرن 16 م, نشبت نزاعات مع سيدي سليمان الذي اختار الاستقرار في الشلالة و في بني ونيف. كان البوبكرية كذلك في صراع مع بني عامر الذين كانوا يمارسون حق الإقطاع في الجنوب الغربي باسم ملك تلمسان الذين كانوا يمثلونه. في سياق هذه الظروف, قدم فيها "الطالب" الشاب إلى الجنوب. كان مدرسو العلوم الدينية الذين كانوا يحتكرون المعرفة وسط الغالبية من غير المتعلمين رجالا يدين لهم الناس بالاحترام الكبير. أتى محمد بن الحسين بن شعيب, "شريف" و من أحفاد سيدي عبد القادر الجيلاني و ممثل للطريقة القادرية و مؤهل – حسب الروايات الشفوية - من قبل مدارس تيارت / زمورة و من زاوية سيدي الهواري بوهران, إلى الجنوب حوالي سنة 1515. 8 بسبب افتقار في المصادر و مقارنة بالمعلومات المتعددة المصادر و المتعلقة بالتأريخ للبوبكرية تم تحديد تاريخ ميلاد محمد بن الحسين بن شعيب نحو 1480 و وفاته بتاريخ 1565. ضمن طائفة تتحدث باللغة العربية, يوصف الأجنبي عنها الذي يمتلك شهرة (بالميلاد أو ذيوع صيت لأجداده) أو يتميز ب (معارف دينية أو خوارق أو أحداث عسكرية...) و يريد أن يندمج فيها بالدخيل: القادم الحديث, الداخل قي القبيلة أو في القصر أو في المنطقة. توجد عدة أمثلة على ذلك في التاريخ: يلقب عبد الرحمان بن معاوية الفار من العباسيين و القادم لإسبانيا قصد تأسيس حكمه سنة 755 م (137 هـ) بالداخل, يلقب كذلك جد المغاربة العلويين بحسن بن قاسم الداخل و في عهد حديث, نجد في نصوص "فيقيق", ألقاب الدخيل. أتى محمد بن شعيب بعائلته إلى ربا, لم تتحدث أية رواية شفوية عن زواج أو رابطة زوجية لمحمد الدخيل من أهالي ربا و لا من خلف مريديه. من جهة أخرى و بناء على مصاعب الترتيب الزمني, يبدو جليا أن بعض أولاده و ابنته ولدوا قبل مجيئه إلى الجنوب. حسب الروايات المتناقلة في ربا, كانت أم الدخيل, "خضرة" تعيش كذلك معه, و نجد قبرها بجوار قبة ابنها في ربا.
بغض النظر عن المشاكل التي كانت قائمة بين بني عامر و سكان ربا و البوبكرية مع حلفائهم, كان محمد الدخيل يمارس نشاطه حتى يكسب مودة كل مكونات المجتمع الذي يعيش فيه امتثالا لمبدأ التسامح الذي أوصى به سيدي عبد القادر الجيلاني. كان محترما و محترما لممثلي الطريقة الشاذلية و خاصة منهم سيدي سليمان بن "بوسماحة", لذلك في حوالي سنة 1525م نجد الدخيل يقبل زواج ئبنته كلثومة من آحمد ابن سيدي سليمان الذي أصبح يزمى فيما بعد سيدي أحمد المجذوب.
أخذت المؤسسة التي كان يشرف عليها الدخيل تدريجيا أهمية و تمكن من الحصول على معاونين في التعليم. استلهم طريقته في التدريس و علاقته بين الناس من تعاليم القادرية المعتمدة على التواضع و التسامح و الإحسان و الفقر: مثلما ما كان يقوم به سيدي عبد القادر الجيلاني شخصيا, كانت الزاوية مكلفة بصرف الصدقات و التبرعات الخاصة بسير المؤسسة في استقبال الطلبة و المحتاجين و عابري السبيل. كان العديد من هذه الصدقات يدفع سنويا من طرف سكان ربا و من القبائل المجاورة. استنادا إلى الإحصائيات الفرنسية للقرن 19 م, كان مقدار ما يدفع لهذه الزاوية من كل خيمة: "خروف" و مكيال من التمر و شعير و سمن (دهان) وعن كل فرقة جمل. من بين الواهبين, يمكن ذكر, "الدراقة الغرابة, الدراقة الشراقة, أولاد معلا, قسم من عــكرمة, أولاد زياد, قبيلة أولاد مومن من الأغواط كسال و قسم من القراريج, أهالي بريزينة, قسم من أهالي الشلالة الظهرانية, قبائل حميان, مقن و آخرين"...
9 عرفت الزاوية القادرية بربا, المنتعشة بنشاط الشريف الدخيل, أو سيدي الدخيل – مثل ما سمي – أهمية كبرى و ذاع صيتها خاصة بعد وفاة مقدم الشاذلية الجليل سيدي سليمان بن " بو سماحة" سنة 1539 م (945 هـ). في هذا العهد, فقد البوبكرية نفوذهم لأنه لم يتم ضمان الاستخلاف بصفة لائقة. بدل أن يقوم محمد بن سليمان باستخلاف أبيه على زاوية بني ونيف, اختار العيش في بادية الشلالة و كان عمر ابنه – سيدي الشيخ مستقبلا – لم يتعد ست سنوات. أما أحمد بن سليمان, الشهير بسيدي أحمد المجذوب اختار هو الآخر الممارسات التصوفية و الاعتزال.
بلغت زاوية سيدي الدخيل أوج ازدهارها في الأربعينيات من القرن 16 م. و لقد تكلم خاصة عن هذه الفترة ل.رين." أما عن انتساب العدد الكبير من أولاد سيدي الشيخ (البوبكرية) للقادرية فتفسر ب...بالتواجد القديم في "الأبيض" لأحد خلف سيدي عبد القادر الجيلاني, سيدي بوتخيل, الذي كان يمثل, قبل سيدي الشيخ, النفوذ الديني الغالب في كل ناحية غرب البيض".
فعلا, مثلما ذكر ل. رين, أن سيدي الدخيل كان له بئر في هذا المكان البعيد 20 كم عن ربا, والذي قد اشتراه أو اكتسب حقه بلا شك من بني عامر. تشهد روايات شعبية و غالبية المصادر الكتابية عن هذا الحق. كان مكانا محمودا لدى البدو الرحل الذين كانوا يجلبون مواشيهم للرعي.
يصفه أ.هـ.نويل بقوله:" كان (البئر) وفيرا و محيطه "نديا" يغلب عليه النبات الوفير بسبب قرب مائه من سطح الأرض...مكان يمتلكه شريف...يسمى سيدي بوتخيل". كان الموضع معروفا و معتاد المرور به, و ظل من أهم أماكن تجمع قطيع البربر الرحل ثم بني عامر بداية من القرن 13 م. بسبب "بلل" المكان سمي "غدير البقر". يخبرنا ي. ابن خلدون أن الملك الزياني أبو حمو موسى الثاني توقف بالبئر سنة 1370, عندما طرده المرينيون من تلمسان. أصبح غدير البقر خلال القرن 16 م "حاسي الأبيض" و كان سيدي بوتخيل يأتي إليه باستمرار, إما لإعطاء دروس للرحل القادمين, أو لأجل الابتعاد عن ربا و التعبد و الاختلاء.
بتزويج ابنته كلثومة لسيدي أحمد المجذوب البوبكري, كان قد وعد بالتنازل عن حقه في الحاسي الأبيض لابنته. إن الحياة بالهضاب العليا صعبة و جد مرتبطة بامتلاك موارد الماء, لأن تنمية الأنعام مشروطة بتوفر الماء. في حياة سيدي بوتخيل, طالب أبناؤه, باعتبارهم مربو ماشية مثل غالبية السكان, بحقهم في الحاسي الأبيض و تعارضوا مع البوبكرية الذين يعتبرون هذا المورد المائي المهم قسما من مهر كلثومة.
10
بعد وفاة سيدي سليمان (1539م /945 هـ) بدأت المشاكل الأولى بين أولاد سيدي الدخيل و حلفائهم من بني عامر و آخرون و كذا أنسابهم, من جهة و البوبكرية, أساسا إبراهيم و عبد الرحمان, أبناء سيدي محمد بن سليمان و حلفائهم, من جهة أخرى. من المهم الإشارة أن سيدي أحمد المجذوب, زوج كلثومة -- من المفروض المعني الأول بالأمر -- والذي كان يعيش متنسكا في ضواحي الشلالة / عسلة لم يكن طرفا في القضية (النزاع). باعتباره رجل دين, كان سيدي الدخيل بعيدا كل البعد عن مسائل الماء و القطيع. غير أن تدخله كان مرجوا طيلة حياته بحكم أنه الملجأ الوحيد و قد استطاع التهدئة من روع أبناءه وخصومهم. توفي محمد بن حسين بن شعيب الدخيل في الربا حوالي سنة 1565 تاركا وراءه زاوية مزدهرة تضم, فضلا على المئات من التلاميذ, عددا من مريدي الطريقة القادرية الذين عاشوا مع شيخهم و والوه بإخلاص إلى أبعد حد.
دخل الصراع مرحلة جديدة: فلقد طالب أولاد سيدي الدخيل و البوبكرية جهرة بامتلاك حاسي الأبيض --الذي سيصبح بعد 30 سنة, الأبيض سيدي الشيخ --.
نشبت مشادات الكلامية بين الخصوم بمناسبة اللقاءات العديدة حول البئر (المتنازع عليه). احتدم الصراع بعد وفاة قياديي البوبكرية, المعول عليهم في إنقاذ الموقف: سيدي محمد بن سليمان المتوفى سنة 1569 و سيدي أحمد المجذوب المتوفى سنة 1571.
بعد المصادمات و المعارك المتكررة, دخل أولاد سيدي الدخيل و البوبكرية في حرب مفتوحة. تتكلم المصادر المتوفرة عن حرب دامت 14 سنة. تمكن البوبكرية, المستقرون في الجنوب طيلة قرنين من الزمن و المتفوقون في العدد, من إلحاق الهزيمة و طرد أولاد سيدي الدخيل و حلفائهم إلى بنود, الواحة التي تبعد 80 كلم جنوب حاسي الأبيض. ولمنعهم من البقاء في المنطقة و تهديد البئر -- موضوع النزاع -- تم طردهم إلى الربا تاركين الزاوية القادرية بين أيدي الموردين ثم ترحيلهم في الأخير من "البنود". في حوالي سنة 1580 (987 هـ ) بعد انهزامهم نهائيا ، تراجع أولاد سيدي الدخيل و حلفائهم و عائلاتهم نحو الشمال الغربي بعيدا عن المناطق التي يتردد البوبكرية عليها و تم استقبالهم من طرف بني عامر الذين كانوا يقطنون في منطقة العين الصفراء.
كيف كانت حالة قصر العين الصفراء في نهاية القرن السادس عشر ؟ نعلم أن الجنوب الغربي كان تحت سلطة بني عامر -- العرب الهلاليون الذين كانوا سابقا يمثلون السلطة المركزية --, غير أنهم أصبحوا مجرد ملاك منذ سقوط تلمسان بيد الأتراك في سنة 1550. قام بنو عامر -- باعتبارهم رحلا-- بحملة واسعة النطاق لتعريب البادية بصد البربر الرحل نحو القصور.
11 نلاحظ في كل قصور الجنوب الغربي, باستثناء قصر العين الصفراء, استعمال الأمازيغية -- الشلحة أو الزناتية -- إلا أن استعمال الأمازيغية في قصر يعتبر عاملا جديا لقدم الجماعة و خاصة انتظام تطورها يعتبر أكثر أهمية من دراسة أطلال المساكن, التي تتشابه كثيرا و لم يعد مجديا البحث عن تأريخها, على حد قول س.قزال, ب.بالاري و ج. كامبس. من ناحية, نعلم أنه في فجر التاريخ, كان الجيتول بكثرة في العين الصفراء و تبعتهم ذريتهم من بربر زناتة وسين. و من ناحية أخرى, لم نجد أثرا لهذه النواة البربرية.كذلك, لا نعلم بدقة ماذا حدث في القرون الماضية قبل قدوم أولاد سيدي الدخيل نحو سنة 1580. نستطيع فقط وضع فرضيات لتفسير الانقطاع, أو بالأحرى التعديل الذي طرأ على تطور القصر: 1. إما أن القصر -- أو بتحديد أكثر "القرية", بما أن الاسم العربي "قصر" لم يكن مستعملا-- كان مهجورا عند قدوم عرب بني عامر في القرن الثالث عشر. 2. إما أن يكون بني عامر قد سبق لهم السيطرة على هذا القصر بطردهم السكان البربر ثم تنازلوا عنه للمهاجرين الجدد. 3. و إما أن تكون تلك النواة البربرية القليلة قد تعربت و ذابت في المجموعة المهاجرة. / تبدو الفرضية الأولى أقل احتمالا. لأنه من الصعب التسليم, بدون سبب محدد, هجران "قرية" ذي موقع مهم و أكثر غنى (ملتقى واديين, بركة و مياه وفيرة, غطاء نباتي وفير... ) خاصة, و بالتواتر المبني على تأريخ بناء أو ترميم مسجل على حائط لمسجد, يكون القصر موجود على اقل تقدير منذ 06 قرون تقريبا و الذي يقودنا إلى القرن الرابع عشر أو الخامس عشر مما يعني أنه بقدوم بني عامر كان القصر موجودا و مسكونا. / الفرضية الثانية بعيدة الاحتمال: تظهر دراسة سيرة بني عامر في عصر مزاولتهم لحقهم في الإقطاع على الجنوب الغربي ما بين القرن الثالث عشر و السادس عشر, أنهم, كقاعدة عامة, كانوا يوظفون كل الإمكانيات بالاستحواذ على البادية (مراعي و منابع الماء ) لكن كانوا يحترمون القصور. تشير عدة أمثلة إلى أنهم كانوا يفضلون متابعة طريقة عيشهم المألوفة سالفا بالعيش في الخيام و لم يكونوا يبدون أي اهتمام للحياة الحضرية في قصر ضئيل الأفق و مختلط. أوردت بعض المصادر, في موضع آخر, حديثا عن صفقة تخص الأرض و ليس القصر: عند مجيء أولاد سيدي الدخيل إلى العين الصفراء اشتروا من بني عامر شريطا من الأراضي يمتد لمسافة 12 كم على طول الوادي, بين "وادي البريج" أو "السخونة" إلى "الصليح" أو "الرصاف" مقابل ألف رأس من الغنم. / أما الفرضية الثالثة, التي تتطلب إثباتا عن طريق بحوث متطورة, و المتعلقة باندماج -- أو الأحرى بذوبان-- النواة البربرية في مجموعة المهاجرين, تبدو لنا جد معقولة. عموما, لا تنقص الأمثلة لتفســـير هيمنة النواة الســـــكانية القويــــــــــة على
12 الضعيفة: الشرفة و بعض العرب المهاجرين إلى سفيسيفة و إلى الشلالة إلى مغرار "الفوقاني و التحتاني" و في عسلة أو هجرة الأحلاف إلى تيوت أين "تبربروا" عند اندماجهم بالمجموعات البربرية الكبرى. و بالعكس, بسبب المجاورة الكبيرة لبني عامر في ضواحي العين الصفراء, من المحتمل أن يكون قد تقلص العنصر البربري لهذا القصر بسبب الهجرات نحو القصور. حيث أنه, بقدوم أولاد الدخيل -- الذين كونوا مجموعة مهمة مع حلفائهم و أنسابهم إذا اعتبرنا أنهم باستطاعتهم مقاومة البوبكرية لعدة سنوات-- الذين بدأوا مبكرا في بناء أو شراء المساكن تعرب البرابرة الأقلية بعيشهم وسط العرب الأكثر عددا. يتكون فوج المهاجرين من عائلات أولاد سيدي الدخيل, أنسابهم, حلفائهم, "شرفة" بعض الأصول و العرب. حسب مصدر, كان لسيدي بوتخيل أربعة أولاد و بنت تدعى كلثومة -- التي تزوجت سيد أحمد بن سليمان المجذوب وقبرها موجود بالعين الصفراء--يسمى الأولاد الأربعة ب: أحمد, الحسين أو محمد الحسين, بوشنافة أو محمد بوشنافة و بودخيل. --يتكلم مصدر آخر عن ست أولاد لكن يظهر أنهم أحفاد و ليسوا أبناء للدخيل؛ على أية حال, يمكن لبحوث جد معمقة أن تقدم توضيحات لسلالة سيدي الدخيل-- في ما يخص تسمية بودخيل للابن الرابع, ينبغي إيجاد الاسم الحقيقي, يبدو أنه فقط اسم كناية: ابن الدخيل يليه "بالدخيل" الذي تحول فيما بعد "بودخيل". إن هذا التفصيل المتعلق بكناية, سيدي بوتخيل, و الذي يخص الجد الأول – محمد بن حسين بن شعيب الدخيل, يثير الانتباه. نعلم, عن طريق وثيقة - لا يمكن تفنيدها – (ترجمت إلى الفرنسية في القرن 19 م) أن هذه الشخصية كانت تحمل فعلا الاسم المستعار سيدي الدخيل: كتب حاج مغربي يسمى مولاي أحمد – أنه خلال رحلة عام 1709 توقفت قافلته في مكان يدعى "حجاج" (منبع مائي على بعد 20 كم من العين الصفراء يعتبر محطة في رحلة الحجاج) أين قدم لهم " أولاد سيدي الدخيل, الذين كانوا يسكنون بالعين الصفراء" المؤونة(سمن, عنب, شعير, دقيق و سبعة خراف). هذا فيما يخص الصيغة اللغوية الفصحى للمصطلح. أما فيما يخص الصيغة الشعبية: حرفت صيغة أولاد سيدي الدخيل بالتدرج. بعد وفاة الجد بربا و خلال سنوات الصراع, بدأت تظهر الصيغة العامة المستعملة في مصادر النسب لعرب أولاد الدخيل أو بني الدخيل, مع حذف لفظ "سيدي" الذي يشير على أن الشخص من أصل شريفي أو رجل دين (كبير). صيغة أخرى للمفرد لم تلبث أن بدأت تستعمل: مثلما يشار لحفيد أبي بكر الصديق (ر) ب"البوبكري", و لحفيد سيدي الشيخ ب:البوشيخي", تعارف الناس على تسمية "بودخيلي" لحفيد سيدي الدخيل –نجد لفظ الفقيه البودخيلي في نص لأبي المحلي كتبه في بداية القرن 16 م (أورده المؤلف المغربي أ.مزيان)--.
13 لذلك, تعاقبت عدة تغيرات و تركيبات للهجات الشعبية أدت إلى الانتقال التدريجي من التسمية الأصلية أولاد سيدي الدخيل إلى التسمية المتداولة حاليا أولاد سيدي بوتخيل (أولاد الدخيل أو بني الدخيل ثم أولاد بالدخيل أولاد بودخيل, مسبوق بالنعت "الشريفي" (للجد) ليعطي أولاد سيدي بودخيل و يخلص في الأخير لصيغة أولاد سيدي بوتخيل. حينئذ عند وصول أولاد سيدي بوتخيل إلى العين الصفراء, كانت ناحية الجنوب الغربي مستقلة عن الحكم المركزي. خلف العثمانيون الزيانيين في تلمسان سنة 1550 غير أن الجنوب كان لا يزال يسيرعلى نظام الجماعة. تطور القصر شيئا فشيئا و بقي يحمل اسم العين الصفراء. -- يظهر في بعض الوثائق الفرنسية تسمية القصر بعين صافية, استنادا إلى معلومة شفوية غير مؤسسة بما أن مولى أحمد أوضح سنة 1709 بأنه كان يحمل اسم العين الصفراء --. من أجل حماية أنفسهم بدأ السكان في بناء جدار حول القصر محاط بخندق و معزز بأبراج مراقبة. بالإضافة إلى تربية المواشي, كان السكان يهتمون بالزراعة على ضفاف الوادي و في الأراضي المجاورة للقصر. و بمرور السنين, تطورت "القرية" و أصبح القصر المأهول بأولاد سيدي بوتخيل يحظى بسمعة "قصر شريفي". بمعنى أرض "حرام". تأسست فيه الزاوية القادرية, التي كان لها ختم, و"كان لها التأثير على كل قصور الغرب" حسب مصدر مكتوب في القرن 19 م . شيد به كذلك ضريحان, الأول تخليدا لسيدي عبد القادر الجيلالي و الآخر لسيدي بوتخيل. قدمت أعداد كبيرة من الناس من نواحي مختلفة و تمركزت به طلبا (" لحماية الولي الصالح للقصر"). تشير مختلف المصادر أن سكان القصر كانوا مكونين من عدة مشارب, غير أنهم يعتبرون أنفسهم من سلالة سيدي بوتخيل. بالإضافة إلى أولاد سيدي الدخيل, يوجد من بينهم: أنسابهم -- لكونهم تزوجوا من نساء من المنطقة --. و كذا المتحالفين الذين آزروهم في صراعهم ضد البوبكرية, أغلبهم عرب من قبائل رحل من أغواط كسال و نواحي ربا, الغاسول و بريزينة. بالإضافة إلى هذه المجموعة الأولى من الوافدين و النواة البربرية الأصلية المتواجدة في عين المكان, سجل القصر قدوم الكثير من العائلات و الأفراد من عدة مناطق, "شرفة" من فروع مختلفة, عرب رحل من منطقة البيض أو من جبال العمور بالإضافة إلى بعض البوبكرية المنشقين, عرب بني سنوس من نواحي تلمسان, عرب من ناحية عين بن خليل – فرع حميان -, عرب من جنوب بشار – من بينهم معقل ذوي منيع و أولاد جرير الهلاليين- عناصر من الصحراء و من جنوب الغرب و آخرين غير معروفين. خلص تدريجيا هذا التوافد المختلف, الذي لم يتم حصر قائمته لحد الآن, على تكوين بحسب أهمية العائلات و توازن القوى إلى ثلاث مجموعات, مختلفة التسميات غير أنها تنتمي إلى سيدي بوتخيل, حيث كانت تسكن (" تحت رعاية سيدي بوتخيل") في القرن 19 م في مساكن متميزة بالقصر: أولاد داودي, أولاد عطى, أولاد يوسف...
14 لكونه قصر "شرفة" مزود بزاوية, كان يلجأ إليه المبعدين و ذوو الحاجة من الناس للحصول على "حماية سيدي بوتخيل" طبعا بشرط رد المظالم – محل النزاع – و دفع مستحقات الدية. بالإضافة إلى ذلك, و باعتبارهم سكانا لأرض "شريفية" لبلد مسلم, لم يكن سكان القصر خاضعين لدفع الضريبة لأية سلطة كانت -- الأمر الذي حال دون مجيء السرية التركية, التي قصفت قصر الشلالة الظهرانية سنة 1786 (70 كم عن العين الصفراء) بسبب رفض دفع الأتاوى, إلى قصر سيدي بوتخيل و لم يتجرأ باقي الأتراك دخوله رغم مجيئهم إلى عين بن خليل و إلى القعلول بين القرن 18 والقرن 19 م--. فسمعة الأمن التي اكتسبها قصر العين الصفراء مكنته من استقبال رحل المنطقة من العمور و حميان الذين لجأوا إلى القصر لتخزين حبوبهم. بعد إنزال الفرنسيين سنة 1830 انتظمت المقاومة تحت قيادة الأمير عبد القادر. نشير هنا إلى أن هذا الأخير مر بالمنطقة عدة مرات ما بين 1842 و 1847. لقد كان هو الآخر عضوا في الطريقة القادرية و كان أبوه محي الدين " مقدما" لها بنواحي معسكر. اظهر الأمير عبد القادر احتراما كبيرا لقصر العين الصفراء لكون سكانه ينحدرون من سلالة سيدي عبد القادر الجيلاني, و لم يفرض عليهم أتاوى كما فرضها على القصور و القبائل الأخرى. في أفريل من سنة 1847, و تحت إمرة الجنرال "كفينياك" و صل الفرنسيون إلى الجنوب الغربي. و بعد أن مروا بالقصور الأخرى, وصلوا في 5 ماي 1847 إلى مشارف العين الصفراء. وصف "شامبيري" و هو عنصر من سرية كفينياك مشهد الدخول بقوله: " قبيل وصولنا إلى قصر العين الصفراء لاحظنا على اليمين حوالي 1000 "شخص" على مرتفع صخري موازي لسفح جبل عيسى. و أمام السرية, على السهل الغربي لهذا المرتفع خيالة من 400 على 500 فارس يظهرون في شكل أفواج من 100 إلى 150 فارس. على اليسار, و في الكثبان الرملية خلف القصر, يظهر كذلك سكان العين الصفراء مسلحين" يضيف المؤلف " كان من السهل إدراك تأثير عبد القادر بداية 1847 (في هذه المنطقة)". يروي كذلك الدكتور "جاكو", الذي كان هو الآخر مرافقا للرتل الفرنسي " عند وصولنا إلى "الصفراء" و جدنا العدو جاهزا للانقضاض...كانت الخيالة تستعرض قوتها على السهل؛ يمكن لنا اكتشاف فرق تسد الأفق" . بدأت المعركة و دامت يوما واحدا حتى الخامسة مساء. كانت بالطبع لصالح السرية الفرنسية المتكون من 2800 رجل معهم 000 140 ذخيرة (خرطوشة) و مدافع و 400 قذيفة احتياطية. بعد المعركة, تلقى الجنود الرخصة من الجنرال كفينياك ل" سرقة المدينة و إتلاف الغلة" استولى الفرنسيون على القصر و طلبوا (من السكان) دفع الضرائب مثلما كانت تؤدى إلى الأمير عبد القادر و إلى الأتراك.
15 كان رد أولاد سيدي بوتخيل أنهم بصفتهم "شرفة" يعتبرون معفيون من دفع الضريبة و أنهم لم يسبق لهم أن دفعوا هذه الضرائب من قبل।رغم ذلك, نهب الغزاة المؤونة و انصرفوا بعدما عينوا قائدا "قايد". بعد 1847, مر الفرنسيون لعدة مرات من الناحية. و في سنة 1881, اندلعت ثورة الشيخ"بوعمامة" و شارك فيها أغلبية السكان, حضرا و رحلا. فقررت فرنسا الاستقرار نهائيا بالعين الصفراء. و في أكتوبر من سنة 1881, دخلت العين الصفراء سرية فرنسية بقيادة الجنرال "لويز" و بدأ في بناء ثكنة عسكرية قرب القصر. في هذه الفترة, كان قد غادر ثلثي السكان العين الصفراء: على حسب تقديرات الفرنسيين, كان يضم القصر 200 إلى 260 مسكنا ل 800 إلى غاية 1000 ساكن في سنة 1847؛ لم يبق منها سوى 64 منزل لحوالي 300 ساكن في سنة 1881. بعد ترقيتها إلى مقاطعة عسكرية سنة 1894, أخذت العين الصفراء أهمية كبرى في أعين الفرنسيين الذين جعلوا منها قاعدة لغزو الصحراء و المغرب. أصبحت العين الصفراء مقر الإقليم العسكري بتعيين ابرز قادة الضباط الفرنسيين الجنرال "ليوتي" بمقتضى المرسوم المؤرخ في 12 ديسمبر 1905, و اتسع نطاق هذا الإقليم حتى أصبح يغطي ما يعادل 6/5 مساحة التراب الفرنسي
بقلم تواصل (هشام)
مدون من مدينة عين الصفراء يهتم بكل ما يخص المدينة من حيث الثقافة والتاريخ والمعلوماتية هو مدون جزائري من أصل " عين الصفراء " لديه الادمان بالشبكة وتكنولوجيا المعلومات هوايته المفضلة الإنترنت ، يسعى لمشاركة أفكاره المعلوماتية المتنوعة وطرحها بين أكبر عدد من المتابعين
رسالة اليك: لا تنسى ترك تعليق ويشرفنا تواجدك معنا
أصدقاء(تواصل)
0
تعليقات Blogger